استأذنت ليلى للدخول على الحجاج فقال الحجاج: ومن ليلى؟
فقيل: ليلى الأخيلية.
قال الحجاج: صاحبة توبة، أدخلها.
فدخلت امرأة طوال، دعجاء العين، حسنة المشية، حسنة الثغر، فسلمت فرحب بها الحجاج.
فدنت فقال الحجاج: وراءك، ضع لها وسادة يا غلام.
فجلست، فقال: ما أعملك إلينا؟
قالت: السلام على الأمير، والقضاء لحقه، والتعرض لمعروفه.
قال: كيف خلفت أهلك؟ قالت: تركتهم في حالة خصب وأمن ودعة. أما الخصب ففي الأموال والكلأ، وأما الأمن فقد آمنهم الله بك، وأما الدعة فقد خامرهم من خوفهم ما أصلح بينهم.
ثم قالت: ألا أنشدك أيها الأمير؟
قال: إذا شئت. فقالت:
أحجاج لا يُفلَلْ سلاحك إنما المنايا بكف الله حيث يراها
إذا هبط الحجاج أرضًا مريضًة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الدَّاء العُضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
سقاها فروَّاها دماء غزيرةً دماء رجال حيث قال حَشاها
فقال الحجاج: يا خيليَّة اجعليني هماماً، لا تجعليني غلاماً. وأمر لها بخمسمائة درهم واكسها خمسة أثواب.
ثم قال لها: يا ليلى أنشديني بعض شعر توبة.
قالت:
نأتْكَ بليلى دارُها لا تزورُها وشطَّت نواها واستمرَّ مريرها
يقول رجالٌ: لا يضيرك نأيُها بلى كلُّ ما شفَّ النفوسَ يَضِيرُها
أليس يضير العينَ أن تُكثر البكا ويُمنع منها نومُها وسرورها
وكنتُ إذا ما جئتُ ليلى تبرْقَعتْ فقد رابني منها الغداةَ سُفُورها
وقد رابني منها صدودٌ رأيتهُ وإعراضُها عن حاجتي وبسورُها
قال الحجاج: ما الذي رابه من صدودك يا ليلى؟
قالت: أصلح الله الأمير إنه لم يرني قط إلا مبرقعة فأرسل لي رسولًا، وفطن الحي برسوله فلما رأيته سفرت. فلما رأى ذلك فطن أني أرادت أن أعلمه عن كمين نصب له فأخذ فرسه وركض، وكنت السبب في نجاته.
توبة بن الحمير كان يوصف بالشجاعة ومكارم الأخلاق والفصاحة وكان يحب ليلى حب عذري. ولكن رفض والد ليلى كان عائقاً في زواجهما.