نقل عن سودة بنت عمارة الهمدانية أنها قدمت على معاوية بعد موت علي (عليه السلام)، فجعل معاوية يؤنبها على تعريضها عليه في أيام قتال صفين، ثم إنه قال لها: ما حاجتك؟
فقالت: إن الله تعالى مسائلك عن أمرنا وما فوض إليك من أمرنا، ولا يزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمقامك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس الحرمل، يسومنا الخسف، ويذيقنا الحتف، هذا بسر بن أرطاة قد قدم علينا، فقتل رجالنا، وأخذ أموالنا، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإن عزلته عنا شكرناك وإلا فإلى الله شكوناك.
فقال معاوية: إياي تعنين ولي تهددين! لقد هممت يا سودة أن أحملك على قتب أشوس، فأردك إليه، فينفذ حكمه فيك.
فأطرقت ثم أنشأت تقول:
صلى الإله على جسم تضمنه قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا فصار بالحق والإيمان مقرونا
فقال معاوية: من هذا يا سودة؟ فقالت: هذا والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائما يريد الصلاة، فلما رآني انفتل، ثم أقبل علي بوجه طلق، ورحمة ورفق، وقال:
لك حاجة؟ فقلت: نعم، وأخبرته بالأمر فبكى، ثم قال: اللهم أنت شاهد أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك. ثم أخرج من جيبه قطعة جلد وكتب فيها:
﴿بسم الله الرحمن الرحيم، قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾
وإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى نقدم عليك من يقبضه. والسلام.
ثم دفع إلي الرقعة، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا.