حدث دعبل الشاعر: أنه اجتمع هو ومسلم، وأبو الشيص، وأبو نواس في مجلس، فقال لهم أبو نواس، إن مجلسنا هذا قد شهر باجتماعنا فيه، ولهذا اليوم ما بعده ، فليأت كل واحد بأحسن ما قال فلينشده فأنشد أبو الشيص:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه ولا متقدمُ
أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللومُ
وأهنتني فأهننت نفسي صاغرة ما من يهون عليك ممن يكرمُ
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم إذ كان حظي منك حظي منهمُ
فجعل أبو نواس يعجب من حسن العشرة حتى ما كاد ينقضي عجبه، ثم أنشد مسلم أبياتا من شعره الذي يقول فيه:
فأقسمت أنسى الداعيات إلى الصبا وقد فاجأتها العين والستر واقعُ
فغطت بأيديها ثمار نحورها كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامعُ
قال دعبل : فقال لي أبو نواس : هات أبا علي، وكأني بك قد جئتنا بأم القلادة، فأنشدته:
أين الشباب؟ وأية سلکا؟ أم أين يطلب؟ ضل بل هلکا
لا تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى
يا ليت شعري كيف صبركما ياصاحبي إذا دمي سُفکا؟
لا تطلبا بظلامتي أحداً قلبي وطرفي في دمي اشتركا
ثم سألنا أبا نواس أن ينشد، فأنشد:
لا تبكِ هندا ولا تطرب إلى دعد واشرب على الورد من حمراء كالوردِ
كأس إذا انحدرت في كف شاربها أخذت بحمرتها في العين والخدِ
فالخمر ياقوتة، والكأس لؤلؤة في كف جارية ممشوقة القدِ
تسقيك من عينها خمراً ومن يدها خمراً، فما لك من سكرين من بدِ
لي نشوتان وللندمان واحد شيء خصصت به من بينهم وحدي
فقاموا كلهم، فسجدوا ؟ فقال : أفعلتموها أعجمية؟ لا كلمتكم ثلاثا.
الكشكول المسلي
إعداد محسن عقيل
دار المحجة البيضاء
دار الرسول الأكرم