دعبل الخزاعي من شعراء الشيعة

منقول عن رسالة ماجستير بعنوان

ﺼﻭﺭة ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺒﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﻨﻴﻥ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺙ ﺍﻟﻬﺠﺭﻴﻴﻥ

إعداد: ﺴﺎﻫﺭﺓ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺤﻔﻴﻅ ﻤﺤﻤﺩ ﺤﻤﺩﺍﻥ
إشراف: ﺩ. ﻋﻴﺴﻰ ﻋﺒﺩﺍﻟﺨﺎﻟﻕ
ﺠﺎﻤﻌﺔ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﺍﻟﻭﻁﻨية

هو:” دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، أبو علي “، شاعر هجاء، وشعره جيد وكان صديق البحتري.
قال عنه ابن خلكان: إنه كان بذيء اللسان مولعا في الهجاء، وهجا الخلفاء: الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق.
وهو من الشعراء الشيعة الذين لمع ذكرهم، وطار صيتهم في ذلك الوقت وقد وردت له أشعار في تصوير الكوارث التي لحقت بالعلويين، ويبكي بكاء خاصة على الحسين، فيقول:

ملامك في آل النبي فإنهم أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي 

فيا رب زدني من يقيني بصيرة وزد بهم يا رب في حسناتي 

ألم تر إني من ثلاثين حجة أروح وأغدو دائم الحسراتِ 

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً وأيديهم من فيئهم صفراتِ 

فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدِ تقطع قلبي إثرهم حسراتِ 

خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم الله والبركاتِ 

يميز فينا كل حق وباطل ويجزي على النعماء والنقماتِ

ويرى أبو العلاء المعري أن هذا الشاعر لم يكن صادقا وإنه كان يريد التكسب به، والمشهور عن دعبل كثرة أشعاره في الهجاء ويرى شوقي ضيف أن الشاعر ينطوي على جحود غريب، حتى ليطعن كل من قدم له صنيعا، فقد هجا الرشيد والمأمون، وكان المأمون إذا سمع هجاءه ضحك، وحدث أن هجاه دعبل يوما قائلا:

ويسومني المأمون خطة عاجز أو ما رأى بالأمس رأس محمدِ

يوفي على هام الخلائف مثلما توفي الجبال على رؤوس القرددِ 

لا تحسبن جهلي كحلم أبي فما حلم المشايخ مثل جهل الأمردِ 

إني من القوم الذين سيوفهم قتلت أخاك وشرفتك بمقعدِ 

رفعوا محلك بعد طول خموله واستنقذوك من الحضيض الأسفلِ

كم من كريم قبله وخليفة أضحى لنا دمه لذيذ المقصدِ

وقد ورد في كتاب تاريخ الخلفاء أن المأمون لما سمع الأبيات السابقة لم يزد على أن قال: ما أقل حياء دعبل! متى كنت خاملاً، وقد نشأت في حجر الخلفاء؟ ولم يعاقبه. وقيل للمأمون إن دعبل بن علي قد هجاك فقال وأي عجب في ذاك! هو يهجو أبا عباد ولا يهجوني أنا، ومن أقدم على جنون أبي عباد، أقدم على حلمي. ثم قال للجلساء من كان منكم يحفظ شعره في أبي عباد فلينشدنيه؛ فأنشده بعضهم:

أولى الأمور بضيعة وفساد أمر يدبره أبوعبادِ

أما الخليفة العباسي الذي هجاه دعبل هجاء مراً فهو المعتصم. ومن هجائه له، قوله:

وقام إمام لم يكن ذا هداية فليس له دين وليس له لبُ

وما كانت الأنباء تأتي بمثله يملك يوما أو تدينث له العربُ

ولكن كما قال الذين تتابعوا من السلف الماضيين إذ عظم الخطبُ

ملوك بني العباس في الكتب سبعة ولم تأتينا عن ثامن لهم الكتبُ

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة خيار إذا عدوا، وثامنهم كلبُ

وإني لأعلي كلبهم عنك رفعة لأنك ذو ذنب، وليس له ذنبُ

كأنك إذ ملكتنا لشقائنا عجوز عليها التاج والعقد والإتبُ

لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم وصيف، وأشناس، وقد عظم الكربُ

ويبالغ الشاعر في هجاء المعتصم في هذه الأبيات، فيقارن بينه وبين الكلب، ثم يفضل الكلب عليه، لأن الكلب لا يذنب، والخليفة مذنب، ثم يشبهه بعجوز تلبس لباس الفتيات الصغيرات، ظانة أن ذلك يجعلها جميلة، وهو في الواقع يزيدها قبحا.

الخلفاء العباسيون على التوالي وحتى المعتصم هم: أبو العباس السفاح، فالمنصور، فالمهدي، فالهادي، فالرشيد، فالأمين، فالمأمون، ثم المعتصم، وبذلك يكون المعتصم ثامن الخلفاء العباسيين.

وصيف وأشناس قائدان تركيان من قادة المعتصم، وإذا كان شعراء الدولة العباسية، ينتهزون فرصة تولي خليفة جديد للخلافة؛ من أجل رثاء الخليفة المتوفي، ومدح الخليفة الجديد؛ فإن هذا الشاعر كانت له قصة أخرى في مثل هذه المواقف. إذا يروى أنه لما مات المعتصم وخلفه الواثق، جمع الشاعر بين هجاء الميت، وهجاء الخليفة الجديد بقوله:

الحمد لله لا صبر ولا جلد ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا 

خليفة مات لم يحزن له أحد وآخر قام لم يفرح به أحدُ 

فمر هذا و مر الشؤم يتبعه وقام هذا فقام الظلم والنكدُ

وفي هذه الأبيات يجمع الشاعر بين هجاء الحي، وهجاء الميت، وبذلك يكون على نقيض شعراء الدولة العباسية الذين كانوا يعمدون إلى الجمع بين الرثاء والمدح.

ومن أشعاره في هجاء الخلفاء العباسيين أيضا، قوله:

وسموا رشيدا ليس فيهم لرشده وها ذاك مأمون وذاك أمينُ

فما قبلت بالرشد منهم رعاية ولا لولي بالأمانة دينُ

رشيدهم غاو، وطفلاه بعده، لهذا رزايا دون ذاك مجونُ

وكتب مرة قصيدة ودفع بها إلى الخليفة المعتصم، يقول فيها:

بغداد دار الملوك كانت حتی دهاها الذي دهاها 

بأبي وأمي سبعة أحببتهم لله لا لعطية أعطاها 

بأبي النبي محمد ووصيه والطيبان، وبنته، وابناها

ومن شدة ولائه لآل البيت يمضي الشاعر في قصائده، موضحا أن حبه لآل البيت هو زاده للقاء الله تعالى، وهو بذلك يحتسب أجر ولائه لهم وإخلاصه في حبهم عند الله تعالى، وفي ذلك يقول:

أعد لله يوم يلقاه دعبل أن لا إله إلا هو 

يقوله صادقا عسا بها يرحمه في القيامة الله 

الله مولاه والنبي ومن بعدهما فالوصي مولاه 

وقد هال الشاعر أن يرى مقتل الحسين مرفوعا رأسه على قناة، والناس لا يتحرك لهم ساكن، وفي ذلك يقول:

رأس ابن بنت محمد ووصيه، يا للرجال، على قناة يرفعُ 

والمسلمون بمنظر وبمسمع لا جازع من ذا ولا متخشعُ

وهكذا، نجد أن القاسم المشترك لدى شعراء الشيعة، هو مدح آل البيت، ورثاء قتلاهم. ولكن الاختلاف فيما بينهم كان مرده إلى اختلاف مذاهب الشيعة من ناحية، أو اختلاف طبيعة الشاعر من ناحية أخرى؛ فمن ناحية اختلاف مذاهب الشيعة، نجد أن أتباع المذهب الكيساني، لا يجدون غضاضة في تولي بني العباس للخلافة، على أساس أن أبا هاشم عهد إليهم بها، بخلاف أتباع المذاهب الأخرى. أما ما يتعلق بطبيعة الشاعر، فقد كان بعض الشعراء الشيعة يمدحون بني العباس على سبيل التقية (وهو معروف عند الشيعة)، وبالمقابل يضمرون لهم الشر. ومن جهة أخرى نجد بعض شعراء الشيعة كانوا يتجرؤون على هجاء الخلفاء العباسيين ويتطاولون عليهم، على نحو ما وجدناه في شعر (دعبل الخزاعي)، مثلا.

 

 

Comments are closed.