تَقَطَّعَتِ الأَرحامُ بَينَ العَشائِرِ

تَقَطَّعَتِ الأَرحامُ بَينَ العَشائِرِ *** وَأَسلَمَهُم أَهلُ التُقى وَالبَصائِرِ

وَحَلَّ اِنتِقامُ اللَهِ مِن خَلقِهِ بِهِم *** لِما اِجتَرَموهُ مِن رُكوبِ الكَبائِرِ

فَلا نَحنُ أَظهَرنا مِنَ الذَنبِ تَوبَةً *** وَلا نَحنُ أَصلَحنا فَسادَ السَرائِرِ

وَلَم نَستَمِع مِن واعِظٍ وَمُذَكِّرٍ *** فَيَنجَعَ فينا وَعظُ ناهٍ وَآمِرِ

فَنَبكي عَلى الإِسلامِ لِما تَقَطَّعَت *** رَحاهُ وَرَجى خَيرَها كُلُّ كافِرِ

فَأَصبَحَ بَعضُ الناسِ يَقتُلُ بَعضَهُم *** فَمِن بَينِ مَقهورٍ ذَليلٍ وَقاهِرِ

وَصارَ رَئيسُ القَومِ يُحَمِّلُ نَفسَهُ *** وَصارَ رَئيسَاً فيهُمُ كُلُّ شاطِرِ

فَلا فاجِرٌ لِلبَرِّ يَحفَظُ حُرمَةً *** وَلا يَستَطيعُ البَرُّ دَفعاً لِفاجِرِ

فَمِن قائِمٍ يَدعو إِلى الجَهلِ عامِداً *** وَمِن أَوَّلِ قَد سَنَّ عَنّا لِآخِرِ

تَراهُم كَأَمثالِ الذِئابِ رَأَت دَماً *** فَأَمَّتهُ لا تَلوي عَلى زَجرِ زاجِرِ

إِذا هَدَمَ الأَعداءُ أَوَّل مَنزِلٍ *** بِسَعيِهِمُ قاموا بِهَدمِ الأَواخِرِ

فَأَصبَحَتِ الأَغنامُ بَينَ بِيوتِهِم *** تَحُثُّهُم بِالمُرهَفاتِ البَوائِرِ

وَأَصبَحَ فُسّاقُ القَبائِلِ بَينَهُم *** تَشُدُّ عَلى أَقرانِها بِالخَناجِرِ

فَنَبكي لِقَتلى مِن صَديقٍ وَمِن أَخٍ *** كَريمٍ وَمِن جارٍ شَفيقٍ مُجاوِرِ

وَوالِدَةٍ تَبكي بِحُزنٍ عَلى اِبنِها *** فَيَبكي لَها مِن رَحمَةٍ كُلُّ طائِرِ

وَكَفَت بِحُسنِ الصَّبرِ بَعدَ اِنتِحابِها *** عَلَيهِ وَلكِن دَمعُها غَيرُ صابِرِ

وَذاتِ حَليلٍ أَصبَحَت وَهِيَ أَيِّمٌ *** وَتَبكي عَليهِ بِالدُموعِ البَوادِرِ

تَقولُ لَهُ قَد كُنتَ عِزّاً وَناصِراً *** فَغُيِّبَ عَنِّيَ اليَومَ عِزّي وَناصِري

وَأَبكي لِإِحراقٍ وَهدمِ مَنازِلٍ *** وَقَتلٍ وَإِنهابِ النِهى وَالذَخائِرِ

وَإِبرازِ رَبّاتِ الخُدورِ حَواسِراً *** خَرَجنَ بِلا خُمرٍ وَلا بِمآزِرِ

تَراها حَيارى لَيسَ تَعرِفُ مَذهَباً *** نَوافِرَ أَمثالِ الظِباءِ النَوافِرِ

كَأَن لَم يَكُن دينٌ وَلَم تَكُ غَيرَةٌ *** فَيُخرِجُهُم عَن هَتكِ سِترِ الحَرائِرِ

كَأَن لَم تَكُن بَغدادُ أَحسنَ مَنظَراً *** وَمَلهىً رَأَتهُ عَينُ لاهٍ وَناظِرِ

بَلى هَكَذا كانَت فَأَذهَبَ حُسنَها *** وَبَدَّدَ مِنها الشَملَ حُكمُ المَقادِرِ

وَحَلَّ بِهِم ما حَلَّ بِالناسِ قَبلَهُم *** فَأَضحَوا أَحاديثاً لِبادٍ وَحاضِرِ

أَبَغدادُ يا دَارَ المُلوكِ وَمُجتَنى *** صُنوفِ المُنى يا مُستَقَرَّ المَنابِرِ

وَيا جَنَّةَ الدُنيا وَيا مَطلَبَ الغِنى *** وَمُستَنبَطَ الأَموالِ عِندَ المُتاجِرِ

أَبيني لَنا أَينَ الَّذينَ عَهِدتُهُم *** يَحُلّونَ في رَوضٍ مِنَ العَيشِ ناضِرِ

وَأَينَ المُلوك في المَواكِبِ تَغتَدي *** تُشَبَّهُ حُسناً بِالنُجومِ الزَواهِرِ

وَأَينَ القُضاةُ الحاكِمونَ بِرَأيِهِم *** لِوَردِ أُمورٍ مُشكِلاتِ المَصادِرِ

أَوِ القائِلونَ الناطِقونَ بِحِكمَةٍ *** وَرَصفُ كَلامٍ مِن خَطيبٍ وَشاعِرِ

وَأَينَ الجِنانُ المُؤنِقاتُ بِحُسنِها *** وَأَينَ قُصورُ الشَطِّ بَينَ العَوامِرِ

وَأَينَ مَراحٌ لِلمُلوكِ عَهِدتُها *** مُزَخرَفَةً فيها صُنوفُ الجواهِرِ

تُرَشُّ بِماءِ المِسكِ وَالوَردِ أَرضُها *** تَفوحُ بِها مِن بَعدُ ريحُ المَجامِرِ

وَراحَ النَدامى فيهِ كُلَّ عَشِيَّةٍ *** إِلى كُلِّ فَيّاضٍ كَريمِ العَناصِرِ

وَلَهوُ قَيانٍ يَستَجيبُ لِنَغمِها *** إِذا هُوَ لَبّاها حَنينُ المَزامِرِ

فَما لِلمُلوكِ الغُرِّ مِن آلِ هاشِمٍ *** وَأشياعِهِم فيها اِكتَفوا بِالمَفاخِرِ

يَروحونَ في سُلطانِهم وَكَأَنَّما *** يَروحونَ في سُلطانِ بَعضِ المَعاشِرِ

تَخاذَلَ عَمّا نابَهُم كُبَراؤُهُم *** فَنالَتهُم بِالظُلمِ أَيدي الأَصاغِرِ

فَأُقسِمُ لَو أَنَّ المُلوكَ تَناصَروا *** لَذَلَّت لَها خَوفاً رِقابُ الجَبابِرِ

علي بن أبي طالب الأعمى
شاعر عباسي، من شعراء أواخر القرن الثاني

Comments are closed.