وروي أن سليمان بن عبد الملك لبس أفخر ثيابه، ومس أطيب طيبه ونظر في مرآة فأعجبته نفسه وقال: أنا الملك الشاب! وخرج إلى الجمعة وقال لجاريته: كيف ترين؟ فقالت:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى … غير أن لا بقاء للإنسان!
ليس فيما بدا لنا منك عيب … عابه الناس غير أنك فان!
فأعرض بوجهه ثم خرج وصعد المنبر وصوته يسمع آخر المسجد، ثم ركبته الحمى فلم يزل صوته ينقص حتى ما يسمعه من حوله، فصلى ورجع بين اثنين يسحب رجليه، فلما صار على فراشه قال للجارية:
ما الذي قلت لي في صحن الدار وأنا خارج؟
قالت: ما رأيتك ولا قلت لك شيئاً وأنى لي بالخروج إلى صحن الدار؟
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون نعيت إلى نفسي. ثم عهد عهده وأوصى وصيته، فلم تدر عليه الجمعة الأخرى إلا وهو في قبره رحمه الله تعالى.
وقال الأصمعي: لما زخرف الرشيد مجالسه وتحزم فيها وزوقها وصنع فيها صنائع كثيرة، أرسل إلى أبي العتاهية وقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا، فقال:
عش ما بدا لك آمناً … في ظل شاهقة القصور
يسعى إليك بما اشتهيت … لدى الرواح وفي البكور
وإذا النفوس تقعقعت … في ضيق حشرجة الصدور
فبكى هارون، فقال الفضل بن يحيى: بعث إليك أمير المؤمنين لتسره فأحزنته! فقال هارون: دعه فإنه رآنا في ضلالة وعمى فكره أن يزيدنا عمى!
ووجد مكتوباً على قصر سيف بن ذي يزن:
من كان لا يطأ التراب برجله … وطئ التراب بصفحة الخد
من كان بينك في التراب وبينه … شبران كان كفاية البعد
لو بعثرت للناس أطباق الثرى … لم يعرف المولى من العبد!