خرج الأصمعي ذات يوم فوجد جاريه بدوية صغيرة السن معتدلة القامة، لا يتجاوز طولها خمسة أو ستة أشبار. تنشد الأبيات التالية:
أستغفر الله لذنبي كله قبلتُ إنساناً بغير حله
مثل الغزال ناعماً في دَلهِ وانتصف الليلُ ولم أُصلهِ
فقال لها: قاتل الله ما أفصحك.
فقالت له: ويحك أو يُعد هذا فصاحة بعد قول الله تبارك وتعالى:
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
ثم قالت: فقد جمعت هذه الآية على وجازتها بين أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتین.
قال الأصمعي: فأعجبت بفهمها وإدراكها أكثر مما أعجبت بشعرها؛ فهي جارية بدوية صغيرة السن ولكنها واسعة العلم والفهم.
فأما الأمران اللذان جمعت بينهما الآية فهما: أرضعيه – ألقيه في اليم. وأما النهيان فهما: لا تخافي – لا تحزني، وأما الخبران فهما: أوحينا ۔ خفت، وأما البشارتان، فهما: إنا رادوه إليك – جاعلوه من المرسلین.
أحسن الطرائف
علي المنصوري
مؤسسسة البلاغ
دار سلوني