روى عن جماعة يسندون الحديث الى الحسين بن علي عليهما السلام قال:
كنت مع علي بن أبي طالب عليه السلام في الطواف في ليلة ديجوجية قليلة النور، وقد خلا الطواف، ونام الزوار، وهدأت العيون، إذ سمع مستغيثا مستجيرا مسترحما بصوت حزين محزون من قلب موجع وهو يقول:
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم **** يا كاشف الضر والبلوى مع السقمِ
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا **** يدعو وعينك يا قيوم لم تنمِ
هب لي بجودك فضل العفو عن جُرمى **** يا من أشار إليه الخلق في الحرمِ
إن كان عفوك لا يلقاه ذو سرفٍ **** فمن يجود على العاصين بالنعمِ
قال الحسين بن علي عليه السلام فقال لي: يا أبا عبد الله أسمعت المنادي ذنبه، المستغيث ربه؟
فقلت: نعم، قد سمعته.
فقال: اعتبره (أي فتش عنه) عسى تراه، فما زلت أختبط في طخياء الظلام وأتخلل بين النيام. فلما صرت بين الركن والمقام، بدا لي شخص منتصب، فتأملته فإذا هو قائم، فقلت: السلام عليك أيها العبد المقر المستقيل المستغفر المستجير، أجب بالله ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرع في سجوده وقعوده وسلم، فلم يتكلم حتى أشار بيده بأن تقدمني، فتقدمته فأتيت به أمير المؤمنين عليه السلام.
فقلت: دونك ها هو! فنظر إليه، فإذا هو شاب حسن الوجه، نقى الثياب. فقال له: من الرجل؟
فقال له: من بعض العرب. فقال له: ما حالك، ومم بكاؤك واستغاثتك؟
فقال: ما حال من اوخذ بالعقوق فهو في ضيق، أرتهنه المصاب، وغمزه الاكتئاب، فارتاب فدعاؤه لا يستجاب.
فقال له علي: ولم ذلك؟
فقال: لأنى كنت ملتهياً في العرب باللعب والطرب، اديم العصيان في رجب وشعبان، وما أراقب الرحمن، وكان لي والد شفيق يحذرني مصارع الحدثان، ويخوفني العقاب بالنيران ويقول: كم ضج منك النهار والظلام، والليالي والأيام، والشهور والأعوام، والملائكة الكرام، وكان إذا ألح علي بالوعظ زجرته وأنتهرته، ووثبت عليه وضربته، فعمدت يوما إلى شيء من الورق (الدراهم) فكانت في الخباء فذهبت لأخذها وأصرفها فيما كنت عليه، فمانعني عن أخذها، فأوجعته ضربا ولويت يده وأخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلى ركبتيه يروم النهوض من مكانه ذلك، فلم يطق يحركها من شدة الوجع والألم، فأنشا يقول:
جرت رحم بيني وبين منازل **** سواء كما يستنزل القطر طالبهُ
وربيت حتى صار جلداً شمردلا **** إذا قام ساوى غارب الفحل غاربهُ
وقد كنت اوتيه من الزاد في الصبى **** إذا جاع منه صفوه وأطايبهُ
فلما استوى في عنفوان شبابه **** وأصبح كالرمح الردينى خاطبهُ
تهضمني مالي كذا ولوى يدي **** لوى يده الله الذي هو غالبهُ
ثم حلف بالله ليقدمن إلى بيت الله الحرام، فيستعدي الله عليّ، فصام أسابيع، وصلى ركعات، ودعا وخرج متوجها على عيرانة يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية ويعلو الجبال، حتى قدم مكة يوم الحج الأكبر، فنزل عن راحلته، وأقبل إلى بيت الله الحرام، فسعى وطاف به، وتعلق بأستاره، وابتهل بدعائه، وأنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاج بالجُهدِ **** فوق المهاوي (الفراش) من أقصى غاية البعدِ
إني أتيتك يا من لا يخيب من **** يدعوه مبتهلا بالواحد الصمدِ
هذا منازل لا يرتاع من عققي **** فخذ بحقى يا جبار من ولدي
حتى تشل بعون منك جانبه **** يا من تقدس لم يولد ولم يلدِ
قال: فوالذي سمك السماء
وأنبع الماء، ما استتم دعاءه حتى نزل بي ما ترى ثم كشف عن يمينه، فإذا بجانبه قد شل. فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به على، فلم يجبني، حتى إذا كان العام أنعم على فخرجت به على ناقة عشراء اجد السير حثيثا رجاء العافية، حتى إذا كنا على الأراك وحطته وادي السجال، نفر طائر في الليل، فنفرت منه الناقة التي كان عليها، فألقته إلى قرار الوادي، فارفض بين الحجرين فقبرته هناك، وأعظم من ذلك أني لا اعرف إلا المأخوذ بدعوة أبيه.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أتاك الغوث، أتاك الغوث، ألا اعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه اسم الله الأكبر الأعظم، العزيز الأكرم، الذي يجيب به من دعاه ويعطى به من سأله، ويفرج به الهم، ويكشف به الكرب ويذهب به الغم، ويبرئ به السقم، ويجبر به الكسير، ويغني به الفقير، ويقضى به الدين، ويرد به العين، ويغفر به الذنوب، ويستر به العيوب، ويؤمن به كل خائف من شيطان مريد، وجبار عنيد. ولو دعا به طائع لله على جبل لزال من مكانه، أو على ميت لأحياه الله بعد موته، ولو دعا به على الماء لمشى عليه بعد أن لا يدخله العجب، فاتق الله أيها الرجل فقد أدركتني الرحمة لك، وليعلم الله منك صدق النية إنك لا تدعو به في معصية ولا تفيده إلا الثقة في دينك! فإن أخلصت فيه النية استجاب الله لك، ورأيت نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم في منامك، يبشرك بالجنة والاجابة.
قال الحسين بن على عليهما السلام فكان سروري بفائدة الدعاء أشد من سرور الرجل بعافيته وما نزل به، لأنني لم أكن سمعته منه، ولا عرفت هذا الدعاء قبل ذلك، ثم قال: آتنى بدواة وبياض، واكتب ما امليه عليك، ففعلت..