سؤال: فإن قال قائل:
فإن اليهود وغيرهم تعرف الله جل اسمه، وتدين بالتوحيد، وتقربة، وتذكر اسمه على ذبائحها، وهذا يوجب الحكم عليها بأنها حلال.
جواب: قيل له:
ليس الأمر على ما ذكرت، لا اليهود من أهل المعرفة بالله عز وجل حسب ما قدرت، ولا هي مقرة بالتوحيد في الحقيقة كما توهمت، وإن كانت تدعي ذلك لأنفسها، بدلالة كفرها بمرسل محمد صلى الله عليه وآله، وجحدها لربوبيته، وإنكارها لإلهيته من حيث اعتقدت كذبه صلى الله عليه وآله، ودانت ببطلان نبوته.
وليس يصح الاقرار بالله عز وجل في حالة الانكار له، ولا المعرفة به في حالة الجهل بوجوده.
وقد قال الله تعالى: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله﴾
وقال: ﴿ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء﴾
وقال: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾
ولو كانت اليهود عارفة بالله تعالى، وله موحدة، لكانت به مؤمنة، وفي نفي القرآن عنها الإيمان، دليل على بطلان ما تخيله الخصم.
وأخبرني عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير، عن الحسين بن المنذر، قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا قوم نختلف إلى الجبل، والطريق بعيد بيننا وبين الجبل فراسخ، فنشتري القطيع والاثنين والثلاثة، فيكون في القطيع ألف وخمسمائة وألف وستمائة، وألف وسبعمائة شاة، فتقع الشاة والاثنتان والثلاثة، فنسأل الرعاة الذين يجيئون بها عن أديانهم، فيقولون: نصارى، فأي شئ. قولك في ذبائح اليهود والنصارى؟ فقال لي: يا حسين هي الذبيحة، والاسم لا يؤمن عليه إلا أهل التوحيد.
ثم إن حنانا لقي أبا عبد الله عليه السلام، فقال: إن الحسين بن المنذر روى عنك أنك قلت: إن الذبيحة لا يؤمن عليها إلا أهلها، فقال عليه السلام: إنهم أحدثوا – فيها شيئا.
قال حنان: فسألت نصرانيا، فقلت: أي شئ تقولون إذا ذبحتم؟
فقال: نقول باسم المسيح.
عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحسين ابن عبد الله قال: اصطحب المعلى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور في سفر، فأكل أحدهما ذبيحة اليهود والنصارى، فامتنع الآخر من أكلها، فلما اجتمعا عند أبي عبد الله عليه السلام أخبراه بذلك، فقال عليه السلام:
أيكما الذي أبى؟
فقال المعلى: أنا. فقال له: أحسنت.
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين الأحمسي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل: أصلحك الله إن لنا جارا قصابا فيجيئ بيهودي فيذبح له، حتى يشتري منه اليهود، فقال: لا تأكل من ذبيحته ولا تشتري منه.
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن قتيبة الأعشى، قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده، فقال له: الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني، فيعرض فيها العارض، فيذبح، أنأكل ذبيحته؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا تدخل ثمنها مالك، ولا تأكلها، فإنما هو الاسم، ولا يؤمن عليه إلا مسلم.
فقال له الرجل: فما نصنع في قول الله تعالى: ﴿اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾
فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي يقول: إنما هي الحبوب.
وبهذا؟ الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذبائح أهل الكتاب قال فقال: والله ما يأكلون ذبائحكم، فكيف تستحلون أكل ذبائحهم، إنه هو الاسم ولا يؤمن عليها إلا مسلم.
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن سماعة، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر قال: سألته عن ذبيحة اليهود والنصارى، فقال:
لا تقربوها.
فهذه جملة مما ورد عن أئمة آل محمد صلى الله عليه وآله في تحريم ذبائح أهل الكتاب، قد ورد من الطرق الواضحة بالأسانيد المشهورة، وعن جماعة بمثلهم – في الستر والديانة والثقة والحفظ والأمانة – يجب العمل، وبمثلهم في العدد يتواتر الخبر، ويجب العمل لمن تأمل ونظر، وإذا كان هذا هكذا ثبت ما قضينا به من ذبائح أهل الكتاب والحمد لله.
تحريم ذبائح أهل الكتاب تأليف
الإمام الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان ابن المعلم أبي عبد الله العكبري البغدادي.