قال الجاحظ: ألفت كتابا فى نوادر المعلمين و حمقهم ثم ندمت و عزمت على تقطيع الكتاب.
فدخلت يوما مدينة فوجدت فيها معلما فى هيئة حسنة فسلمت عليه فرد على أحسن رد.
فجلست عنده و باحثته فى أنواع العلوم فوجدته كاملا فقوى عزمى على تقطيع ذلك الكتاب.
فكنت أختلف فيه فجئت يوما لزيارته فوجدت باب المكتب مغلقا.
فسألت عنه، فقيل: مات له ميت فهو جالس فى عزائه.
فقلت: اعزيه فجئت إلى بيته فطرقت الباب فخرجت جارية و سألت عنى ثم استأذنت لى فدخلت عليه فإذا هو جالس حزينا كئيبا.
فقلت: أحسن الله عزاك و أعظم الله أجرك فجرت الدموع من عينيه و تأوه.
فقلت: من ذا الذى منك توفى فهل كان ولدك؟ قال: لا.
قلت: والدك؟ قال: لا.
قلت: أخوك؟ قال: لا.
بل هو حبيبتي قلت سبحان الله النساء كثيرة تجد غيرها.
فقال: لا يوجد مثلها.
قلت: كم مدة كانت معك.
قال: ما كنت رأيتها بعد و لا أعرف منزلها و لا نسبها.
فقلت: كيف ذلك؟ قال: اعلم أنى كنت جالسا في باب دارى و إذا رأيت رجلا يقول.
يا ام عمرو جزاك الله مكرمة ردى على فؤادى أينما كانا
فقلت فى نفسى لو كان فى الدنيا أحسن من ام عمرو ما قيل فيها ذلك فعشقتها غاية العشق فلما كان بعد أيام مر على ذلك الرجل و هو يغنى و يقول:
لقد ذهب الحمار بام عمرو فلا رجعت و لا رجع الحمار
فقلت: إنها ماتت فحزنت عليها و جلست فى العزاء.
قلت: قد كنت عزمت على تقطيع كتابى فالآن قويت عزيمتى على إبقائه و أجعلك فى أول الكتاب.