لامية العرب لشاعر الأزد الشَّنفرى

صبره على الجوع – وصف الذئاب

أدِیمُ مِطال الجوع حتى أميته وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهلُ (1)

وأستف تُرب الأرض كيلا يرى له علي من الطول امرُءٌ متطولُ (2)

ولولا اجتناب الذام لم يلف مشربٌ يُعاش به إلا لدي ومأكلُ (3)

ولكن نفساً مُره لا تقيم بي على الضيم إلا ريثما أتحولٌ (4)

وأطوي على الخمص الحوايا كما انطوت، خيوطة ماري تُغارُ وتفتلُ (5)

البيت الأول:
المطال: المماطلة. اضرب عنه صفحاً: أي اعرض عنه أذهل: انس ؛ يصف قدرته وقوة إرادته على ردع نفسه وتحكمه بتصرفاته.

البيت الثاني:
استف: أي التهم، الطول: الفضل، المتطول: المتفضل، أي التهم التراب عند الحاجة حتى لا يتفضل على انسان.

البيت الثالث:
الذأم: العيب واللوم، والذم، لدي: عندي، يريد في هذا البيت أن يبين لنا، انه انما يأكل تراب الأرض.
ولكن هذا ليس بعيب بحيث يقول العيب ان اعيش حيث لا كرامة لي.

البيت الرابع:
مرة: أبية وحرة، يقول انه يمتنع عما مر للصفات التي ذكرها وللأباء الذي يملأ نفسه، فهي لا تصاحب الضيم إلا بقدر تحوله عنه.

البيت الخامس:
الخمص: الجوع، الحوايا: ما يحوي البطن، الخيوطة : الخيوط ، والتاء تدل على كثرة الجمع ، ماري : اسم فاتل الخيوط.

يقول: اطوي امعائي على الجوع مثلما يطوي الفاتل خيوطه إذا فتلها وأحكم فتلها.

الفقرة الثانية:

وأغدوا على القُوت الزهيد كما غدا ازل تهاواه التنائف أطحلُ (1)

غدا طاوياً يعارض الريح هافياً يخوت بأذناب الشعاب ويعسلُ (2)

فلا لواه القوت من حيث أمهُ دعا فأجابته نظائر نُحلُ (3)

مهلهله شيب الوجوه كأنها قداح بكفي ياسر تتقلقلُ (4)

البيت الأول:
لأزل: القليل لحم الوركين، صفة للذئب المحذوف. التنائف: جمع تنوفة. الفلاة التي لا تنبت شيئا، الأطحل: الذي لونه بين الغبرة والبياض أي كلون الطحال.
هنا يشبه نفسه بالذئب الذي يسير صباحا وزاده قليل جدا، وهو يقطع المفاوز.

البيت الثاني:
طاوياً: جائعاً، وهي من الطوى، يعارض الريح: أي يفعل مثل فعلها من الجري، يخوت ينقض، الشعاب: الطرقات الجبلية.
يعسل: يسرع باهتزاز أيضا يشبه نفسه بالذئب الذي ينقض في الطرقات الوعرة وهو يسرع محتالا.

البيت الثالث:
لواه القوت: امتنع عليه، أمه: قصده، النظائر: الأشباه والأمثال، نحل: ضعيفة لشدة الجوع.
يقول: لما عز عليه القوت طلبه عند غيره فعوى، فأجابته أشباه حالها كحاله في الجوع والهزال.

البيت الرابع:
المهلهلة: الضعيفة، شيب الوجوه: مبيضة، قداح: جمع قدح، وهو السهم قبل أن يراش ويركب عليه نصله، الياسر: اللاعب بسهام الميسر يحركه بين يديه، تتقلقل: تتحرك وتضطرب.

هنا تتمة البيت الذي سبق، يقول:
لما دعا أجابته ذئاب شیب الوجوه ليس لها غير الجلد والعظم، تمش مضطربة تتقلقل عظامها فتسمع لها صوتا كصوت القداح التي تحركها كف المقامر.
وهي صورة جميلة للذئاب الجائعة تشهد لبراعة الشاعر ودقة ملاحظته وتزيدنا يقينا بأصالة هذه القصيدة وانها وليدة الجاهلية وباديتها.

الفقرة الثالثة:

أو الخشرم المبعوث حثحث دبره محابيض أرداهن سامٍ معسلُ (1)

مهرتهُ فوة كأن شدوقها شقوق العصي كالحات وبسلُ (2)

فضح وضجت بالبراح كانها وأياه نُوحٌ وفوق علياء ثُكلُ (3)

وأغضى وأغضت واتسی واتست به مراميل عزاها وعزته مرملُ (4)

البيت الأول:
الخشرم: رئيس النحل، المبعوث: المنبعث للسير، حثحث : حض وطلب منه الاسراع.

الدبر: جماعة النحل، المحابيض: جمع محبض وهي عيدان يتخذها مشتار العسل فيثير بها النحل، أرداهن أصلها أردأهن: أي ثبتهن وارکزهن ، سام : فاعل ارداهن وهو الذي يرتقي کي پشتار العسل.

المعنى: لقد هيج دعاءه هذه النظائر، فأجابته بدوي كدوي النحل الذي حرك جماعته مشتار العسل بعوده، ليحصل عليه.

البيت الثاني:
مهرته: مشقوقة الفم، فوه: جمع أفوه: المفتوح الفم، کالحات : عابسات الوجوه.

بسل: جمع باسل وهو الكرية المنظر، الموسخ الوجه وهنا يشبه أفواه الذئاب بالعصي المشقوقة.

البيت الثالث:
البراح: الأرض الواسعة لا نبت فيها، نوح: جمع نائحة علياء: جمع العليا، وهي البقعة المشرفة. ثكل: جمع ثاكل: التي فقدت أولادها أو زوجها.

المعنى: أن هذا الذئب استعوی رفاقه، فعوت وكأن هذا العواء صراخ نساء فقدن رجالهن أو أولادهن.

البيت الرابع:
اتسي: امتثل واقتفي، مراميل: جمع مرمل وهو الذي لا زاد معه، عزاها: سلاها.

يقول: عبر الذئب باغفائه عن خيبته ثم اجابته الذئاب بمثل ما فعل واقتدى كل بأخيه، فكان الاغفاء والافتداء بمثابة التعزية وهي صورة نفسية بديعة لهذه الحيوانات فاقدة الزاد التي أضناها الجوع في هذه الصحراء الجرداء القاحلة.

الفقرة الرابعة:

شكا وشك ثم ارعوى بعد وارعوت والصبر إن لم ينفع الشكو أجملُ (1)

وفاء وفاءت بادرات وكلها على نكظ مما يكاتم مجملُ (2)

البيت الأول:
شکا: بث حزنه، ارعوى: ترك، يقصد أن الذئب بث شكواه لاخوته، ولكنه تذرع بالصبر عندما لم تنفعه هذه الشکوی.

 البيت الثاني:
فاء: رجع، بادرات: مسرعات، النكظ: شدة الجوع، المجمل: المحسن حاله.

المعني: لما فقدت الذئاب الصبر رجعت مسرعة، كل يكتم ما عنده من ألم الجوع ويعامل رفيقه بالحسنی.

لامية العرب
لشاعر الأزد الشنفرى
منشورات دار مكتبة الحياة

Comments are closed.