كبر الصبي

ثم تأمل – أيها المتأمل – في عجائب حكم ربك:
انه لما كبر الصبي وضاق عنه الرحم کیف هداه السبيل إلى الخروج حتى تنكس وتحرك، وخرج من ذلك المضيق كأنه عاقل بصير.

ولما خرج وكان محتاجا إلى الغذاء ولم يحتمل بدنه الاغذية الكثيفة للينه ورخاوته.
خلق له اللبن اللطيف، واستخرجه من بين الفرث والدم، خالصا سائغة، وخلق الثديين وجمع فيهما هذا اللبن.
وانبت منهما الحلمة على قدر ما ينطبق فم الصبي، وهداه إلى التقامها.

وفتح فيها ثقباً ضيقة جداً، حتى لا يخرج اللبن إلا بعد المص تدريجيا، لأن الطفل لا يطيق منه إلا القليل.
ثم هداه إلى الأمتصاص حتى يستخرج من مثل هذا المضيق اللبن الكثير عند شدة الجوع.

وأخر خلق الأسنان إلى تمام الحولين، لأنه لا يحتاج فيهما اليهما باللبن، وما دام مغتذياً به.
لما كان في دماغه رطوبة كثيرة سلط عليه البكاء، لتسيل به تلك الرطوبة، فلا تنزل إلى بصره أو إلى غيره من أعضائه فتفسده.

ثم لما كبر ولم يوافقه اللبن الخفيف وافتقر إلى الأغذية الغليظة المحتاجة إلى المضغ والطحن.
أنبت له الأسنان عند الحاجة من دون تقديم وتأخير.
وحنن عليه قلوب الوالدين بالقيام على تربيته وتكفل حاله ما دام عاجزاً عن تدبير نفسه.

ثم رزقه الادراك والفهم والقدرة والعقل على التدريج حتى بلغ ما بلغ واودع في نفسه المجردة وقواها الباطنة أسرارا عجيبة تحير طوامح العقول وتدهش منها ثواقب الأنظار و الفهوم.

منقول من جامع السعادات – المولى النراقي

Comments are closed.