في كتاب حياة الحيوان قصة عجيبة عن الإسكندر وذهابه الى الصين فيقول:
بعد أن احتل الإسكندر بلاد الهند توجه الى الصين وخيم عند حدودها، وفي الليل، جاء حارس خيمة الأسكندر وقال:
إن رسول ملك الصين يريد مقابلتك. فقال: ليدخل.
فلما دخل قال إن عنده موضوعا خاصا للاسکندر فقط. فأمر الإسكندر الجميع بالخروج عدا الحاجب.
فقال: حتى الحاجب لا بد أن يخرج فقال الاسکندر:
فتشوه أولا لئلا يكون معه سلاح.
ففتشوه فقالوا: ليس معه سلاح وهنا أمسك الإسكندر بسلاحه ليدافع عن نفسه إذا تطلب الأمر.
وحين خلا به قال: أنا ملك الصين ولست رسوله.
فقال كيف جرؤت أن تأتي بلا سلاح؟
قال: جرأتي من أني لا عداوة سابقة بيني وبينك وسمعت أنك رجل عاقل وعالم فلا تقتلني بلا سبب ولو فعلتها فإن غيري سينصب مكاني وسيقاتلك. ثم أنك لو قتلتني فلن تنال إلا الصيت السيء والذكر السيء.
فقال الإسكندر: حسنا فما الذي جاء بك؟
قال: جئت أسألك لم قصدت بلدنا ولم تريد القتال؟
فقال الإسكندر: ارفعوا لنا الآن خراج الصين لست سنوات سلفا وبعدها تدفعون في كل عام نصف خراج بلدكم.
قال: لو دفعنا لكم هذا المبلغ ضعفت الحكومة وواجهنا مشاكل داخلية وخارجية.
فقال الإسكندر: فأعطوا خراج سنتين.
فقال: إن هذا لا يرهقنا ولكنه لا زال مبلغا ضخمة. وهكذا حتى توافقوا عني خراج سنة واحدة.
وعندها قال ملك الصين: والآن وبعد أن أنتهت المسألة بالتوافق والسلم فليس من اللائق أن تعودوا دون أن نضيفكم أنت وجنودك، أنتم ضيوفنا غدا. فقبل الاسكندر دعوته.
وفي اليوم التالي جاؤوا الى المكان الموعود فرأوا جيش الصين يملا البر، ويفوق عددهم عدد جيش الإسكندر كثيرا. فظن الإسكندر أنه قد خدع لذا أمر جيشه بالإستعداد ولكنه رأى ملك الصين قد ركب فيلا وتقدم إليه بأدب واحترام فقال أخدعتنا وجئتنا بجيشك؟
قال: لا. ولكني أردت أن أفهمك أني حين جئتك البارحة طالب السلم، لم يكن الضعف أو عجز بل إني أردت أن لا تراق دماء ويقتل أبرياء الطرفين، ولم نلجأ لإراقة الدماء إذا أمكن تفادي ذلك بمال أو مجوهرات.
فقال الإسكندر: لم أجد في كل البلدان التي فتحتها ملكا عاقلا مثلك.
وأخيراً، حين ذهبوا لتناول الطعام جعل له وللإسكندر مائدة خاصة وجعلوا فيها آنية مرصعة مغطاة، فرفع الإسكندر غطاء أحد الآنية فوجده مملوء بالياقوت ورفع غطاء الأخر فوجد فيه زبرجدا وفي الثالث زمرد والأخر ذهب وهكذا، فقد وضعوا أنواع المجوهرات الثمينة النادرة أمام الإسكندر.
فقال له ملك الصين: مالك لا تأكل.
فقال الأسكندر: ماذا أكل فليس في هذه الآنية ما يؤكل.
فقال: عجبا! أليس طعامك الذي تأكل هو الجواهر النادرة الثمينة.
فقال الإسكندر: لا، بل أكل الطعام كغيري.
فقال الملك: عجيب! لقد حسبت أن طعامك الجواهر النادرة حتى أتيت من آخر الدنيا (من اليونان). فخجل الإسكندر ولم يستطع أن بجيبه.
البشر عادة ساهون يجمعون الملايين بعضها فوق بعض.
وهل تريد أن تأكل المال؟
وهل بقي من عمرك ما يستحق؟
إن النعمة مسكرة تضعف الإدراك والغفلة والسهو تقسي القلب فلا يعتبرون ولا يتعظون، يقول على (ع): “ما أكثر العبر وما أقل الإعتبار”.
من كتاب الدار الاخره
تاليف السيد عبدالحسين دستغيب