كان عمران بن حِطَّان شاعرًا شديدًا في مذهب الصُّفرية ـ وهي فرقةٌ من فرق الخوارج ـ، وبلغ مِن خبثه في بغض عليٍّ رضي الله عنه أنه رثى عبد الرحمن بن ملجمٍ قاتلَ عليٍّ رضي الله عنه، فقال في ضربه عليًّا:
يَا ضَرْبَةً مِنْ مُنِيبٍ مَا أَرَادَ بِهَا * إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا
إِنِّي لَأَذْكُرُهُ يَوْمًا فَأَحْسَبُهُ * أَوْفَى البَرِيَّةِ عِنْدَ اللهِ مِيزَانَا
قال عبد القاهر: قد أجبناه عن شعره هذا بقولنا:
يَا ضَرْبَةً مِنْ كَفُورٍ مَا اسْتَفَادَ بِهَا * إِلَّا الجَزَاءَ بِمَا يُصْلِيهِ نِيرَانَا
إِنِّي لَأَلْعَنُهُ دِينًا وَأَلْعَنُ مَنْ * يَرْجُو لَهُ أَبَدًا عَفْوًا وَغُفْرَانَا
ذَاكَ الشَّقِيُّ لَأَشْقَى النَّاسِ كُلِّهِمِ * أَخَفُّهُمْ عِنْدَ رَبِّ النَّاسِ مِيزَانَا
وقال آخر في الردِّ عليه: وهو بكر بن حسَّان الباهريُّ:
قُلْ لِابْنِ مُلْجَمَ ـ وَالأَقْدَارُ غَالِبَةٌ ـ * هَدَمْتَ لِلدِّينِ وَالإِسْلَامِ أَرْكَانَا
فَلَا عَفَا اللهُ عَنْهُ سُوءَ فِعْلَتِهِ * وَلَا سَقَى قَبْرَ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَا
يَا ضَرْبَةً مِنْ شَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا * إِلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي العَرْشِ رِضْوَانَا
بَلْ ضَرْبَةٌ مِنْ غَوِيٍّ أَوْرَدَتْهُ لَظًى * وَسَوْفَ يَلْقَى بِهَا الرَّحْمَنَ غَضْبَانَا
قال عبد الله بن المبارك معارضًا الخارجيَّ عمران بن حِطَّان:
إِنِّي امْرُؤٌ لَيْسَ فِي دِينِي لِغَامِزَةٍ * لِينٌ وَلَسْتُ عَلَى الأَسْلَافِ طَعَّانَا
وَفِي ذُنُوبِي إِذَا فَكَّرْتُ مُشْتَغَلٌ * وَفِي مَعَادِيَ إِنْ لَمْ أَلْقَ غُفْرَانَا
عَنْ ذِكْرِ قَوْمٍ مَضَوْا كَانُوا لَنَا سَلَفًا * وَلِلنَّبِيِّ عَلَى الإِسْلَامِ أَعْوَانَا
وَلَا أَزَالُ لَهُمْ مُسْتَغْفِرًا أَبَدًا * كَمَا أُمِرْتُ بِهِ سِرًّا وَإِعْلَانَا
فَمَا الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِي الَّذِي عَمِلُوا * بِالطَّعْنِ مِنِّي وَقَدْ فَرَّطْتُ عِصْيَانَا
فَلَا أَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرًا * وَلَا أَسُبُّ مَعَاذَ اللهِ عُثْمَانَا
وَلَا ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللهِ أَشْتُمُهُ * حَتَّى أُلَبَّسَ تَحْتَ التُّرْبِ أَكْفَانَا
وَلَا الزُّبَيْرَ حَوَارِيَّ الرَّسُولِ وَلَا * أُهْدِي لِطَلْحَةَ شَتْمًا عَزَّ أَوْ هَانَا
وَلَا أَقُولُ لِأُمِّ المُؤْمِنِينَ كَمَا * قَالَ الغُوَاةُ لَهَا زُورًا وَبُهْتَانَا
وَلَا أَقُولُ عَلِيٌّ فِي السَّحَابِ لَقَدْ * ـ وَاللهِ ـ قُلْتُ إِذًا جَوْرًا وَعُدْوَانَا
لَوْ كَانَ فِي المُزْنِ أَلْقَتْهُ وَمَا حَمَلَتْ * مُزْنُ السَّحَابِ مِنَ الأَحْيَاءِ إِنْسَانَا
إِنِّي أُحِبُّ عَلِيًّا حُبَّ مُقْتَصِدٍ * وَلَا أَرَى دُونَهُ فِي الفَضْلِ عُثْمَانَا
أَمَّا عَلِيٌّ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ قَدَمٌ * فِي السَّابِقِينَ لَهَا فِي النَّاسِ قَدْ بَانَا
وَكَانَ عُثْمَانُ ذَا صِدْقٍ وَذَا وَرَعٍ * مُرَاقِبًا وَجَزَاهُ اللهُ غُفْرَانَا
مَا يَعْلَمُ اللهُ مِنْ قَلْبِي مُشَايَعَةً * لِلْمُبْغِضِينَ عَلِيًّا وَابْنَ عَفَّانَا
إِنِّي لَأَمْنَحُهُمْ بُغْضِي عَلَانِيَةً * وَلَسْتُ أَكْتُمُهُمْ فِي الصَّدْرِ كِتْمَانَا
إِنَّ الجَمَاعَةَ حَبْلُ اللهِ فَاعْتَصِمُوا * بِهَا هِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى لِمَنْ دَانَا
اللهُ يَدْفَعُ بِالسُّلْطَانِ مُعْضِلَةً * عَنْ دِينِنَا رَحْمَةً مِنْهُ وَرِضْوَانَا
لَوْلَا الأَئِمَّةُ لَمْ يَأْمَنْ لَنَا سُبُلٌ * وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لِأَقْوَانَا