صفات عباد الرحمن
إن عباد الرحمن الذين ادخر الله لهم عنده ما هو خير وأبقى من متاع الدنيا الزائل.
يتميزون عن غيرهم بصفات عالية، وشمائل لا يقدر عليها إلا من زكت نفسه، وطهرت سريرته، وحسنت سيرته، وآمن بالله حق الإيمان، وتوكل على الله حق التوكل آملا فيما عنده سبحانه من خیر باق ، ونعيم مقيم، ومن هذه الصفات:
أ – اجتناب كبائر الإثم والفواحش:
إن المؤمنين يجتنبون الآثام الكبرى وعلى رأسها الشرك.
لأن إيمانهم أعظم من أن يخالجه ريب، وطباعهم الكريمة أكرم من أن تدنسها موبقات الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
فكبائر الذنوب كالقتل والزنى والسرقة وشرب الخمر، تنفر منها طباعهم السليمة، مادام الله قد حرمها.
مؤمنين بأنه تعالی لا يحرم عليهم إلا الخبائث، فهم لا يقربونها، وليس لهم بها أو بمرتكبيها أدنى صلة ؛ لأنهم يربأون بأنفسهم أن يتورطوا في هذه الدنايا التي لا تتفق مع إيمانهم بالله العظيم، ولا يرتكبها في نظرهم إلا مجرم فاجر أثيم.
ولا شك أن من رحمة الله بعباده أن جعل القدر الذي يستحقون به رضاه هو أن يجتنبوا كبائر الإثم والفواحش.
أما الصغائر فإن سعة رحمته تعالی تتجاوز عنها؛ لأنه واسع المغفرة، عليم بضعف الإنسان.
غير أن المؤمن الحق يستحي من الله حق الحياء، ويحذر هذه الصغائر قدر الإمكان.
ب – العفو عند المقدرة:
ومن صفاتهم التي تسمو بمنزلتهم عند الله، وترفع أقدارهم بين الناس، الصفح عن المسيء.
وإطفاء نار الغضب بالعفو والسماحة، وكظم الغيظ، فهم لا يسارعون بالانتقام إذا وقع عليهم من الآخرين ما غضبهم، أو يثير حميتهم.
بل إنهم يتحكمون في انفعالاتهم، ويحسنون السيطرة على أنفسهم، فتراهم يصفحون عمن أساء إليهم ، ويرحمون من اعتدى عليهم، برغم قدرتهم على الانتقام.
تأسيا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث كان أعظم الناس حلما، وكان يعلم المسلمين ضبط النفس بقوله:
“ ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب“.
ومن شمائله – صلى الله عليه وسلم – أنه لم ينتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى، فيغضب حتى لم يقم لغضبه شيء، وكان إذا غضب يعرف الغضب في وجهه.
ج. الاستجابة الكاملة لأمر الله:
ومن صفات المؤمنين الصادقين الإستجابة الكاملة لأمر لله – سبحانه – والتزام دينه، والنزول على حكمه، والتغلب على كل هوى ينأى بهم عن رحاب الله.
فهم يقيمون الصلوات في أوقاتها، مستوفاة شروطها وأركانها، متقربين بها إلى الله في خشوع وضراعة.
مقدرين أثرها في تهذیب النفس، وإعلاء دوافعها، وتحصينها ضد الفحشاء والمنكر، وإكسابها السكينة والراحة والطمأنينة.
وهم يقيمون حياتهم على الشورى، فلا يبرمون أمرا دون تفاهم، وتقليب لوجهات النظر، واستقراء لكل الآراء.
وانتفاع بكل الخبرات، واحترام لرأي الفرد، فلا يستبد حاکمهم برأيه ، ولا يفرض وجهة نظره، بل يستشيرهم فيما يبين له من مشكلات، وما يصادفه من قضايا ومسائل تعني المجتمع المسلم.
وقدوتهم في هذا الجانب رسول الله – صلی الله عليه وسلم – الذي أمره الله تعالى بقوله:
“وشاورهم في الأمر“، فكان يقبل مشورة أصحابه، بل كان ينزل عن رأيه حين يتبين صواب رأيهم، ويعمل بمشورتهم، كما حدث في غزوة بدر والخندق، وغيرهما من المواقف.
حتى عُرف المجتمع المسلم بأنه مجتمع الشورى الذي لا يقبل الاستبداد والدكتاتورية الفردية.
ويتميز عباد الرحمن – كذلك – بأنهم ينفقون من أموالهم التي رزقهم الله بها، إيمانا منهم بأنهم مستخلفون في مال الله.
وهو الذي يحثهم على البذل والعطاء في سبيل الخير، كما أنه جعل في أموالهم حقا معلوما للسائل والمحروم.
وهم بذلك يرتفعون عن الشح الذي يتصف به أكثر عباد المال.
وهم يدلون بهذا السخاء على أنهم يثقون بما عند الله أكثر من ثقتهم بما في أيديهم.
ويكرهون البخل؛ لأن الله يكرهه، ويحبون الجود؛ لأن الله يحبه، وينفقون أموالهم في سبيل الله وابتغاء مرضاته.