صحيح وصحيح
وصحيح أن المسيح ” كان – كما يصفه الإمام علي صادقاً –:
يتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجَشِب، وكان إدامه الجوع وسراجه بالليل القمر، وظلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها.وفاكهته ورَيحانه ما تُنبت الأرض للبهائم.
ولم تكن له زوجةٌ تفتنُه ولا ولدٌ يُحزنه ولا مالٌ يلفتُه، ولا طمعٌ يُذله، دابته رجلاه وخادمه يداه.”
وصحيح أن محمداً قد قُبضت عنه أطراف الدنيا “ووطئت لغيره أكنافها وفُطم عن رضاعها، وزُوي عن زخارفها”.
وأنه كان زاهداً متقشفاً لا يأكل إلا خشن المأكل وإذا أكل لا يشبع، وأنه خرج من الدنيا – كما يقول أبو ذر الغفاري – ولم يملأ بطنه في يوم واحد من طعامين.
وأنه كان إذا شبع من التمر لا يشبع من الخبز، وقد يمر به هلالٌ ثم هلالٌ لا يوقد في بيته نارٌ لخبز ولا لطبخ!
وصحيحٌ أن علي بن أبي طالب كان مكتفياً ” من دنياه بطِمْريه، ومن طعمه بقرصَيْه”.
ومن المسكن بما هو من خصائص الفقراء دون القصور.
وأن أخباره في القناعة والزهد أكثر من أن تُحصى وأشهر من أن يقام لها دليل.
ويكفي منها ما أثبتناه في بعض فصول هذا الكتاب.
وصحيح أن صاحبه أبا ذرّ الغفاري كان قانعاً بأرغفة يابسة من خبز الشعير يأكلها وزوجته وبنيه، مكتفياً بها راضياً عن حاله هذا كل الرضا مطمئناً إليه كل الاطمئنان!
صحيح كل هذا!
غير أن هناك أمراً آخر هو أيضاً صحيحٌ كل الصحة.
وهو أن هؤلاء أصحاب رسالات لهم في هذه الرسالات نفسها مادة الاكتفاء والشبع والحياة، فغيرهم لا يُطيق ما يُطيقون.
ولا يحمل ما يحملون ولا يومض في قلبه ما يومض في قلوبهم من أنوار مشرقة تُكيف أحوالهم على نمط خاص لا تقاس عليه أحوال الآخرين.
ثم إن لهم الاهتمام بأحوال الجماعات ما يمنعهم من أن يستكينوا إلى مطعم وملبس ومنام.
من كتاب الأمام علي صوت العدالة الإنسانية.
جُورج جُرداق