لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتزوج خديجة بنت خويلد ، أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال:
الحمد لربّ هذا البيت الذي جعلنا من زرع ابراهيم وذرية اسماعيل وأنزلنا حرم حرماً آمناً ، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ، ثم ان ابن أخي هذا يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ، ولا عدل له في الخلق ، وان كان مقلاً في المال، فانّ المال رفد جار ، وظلّ زائل ، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة ، وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها ، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله وربّ هذا البيت حظ عظيم ، ودين شايع ، ورأي كامل.
ثم سكت أبو طالب فتكلّم عمّها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلاً من القسيسين.
فقالت خديجة مبتدئة : يا عماه انك وان كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بي من نفسي، قد زوجتك يا محمد نفسي ، والمهر عليّ في مالي ، فأمر عمّك فلينحر ناقة فليولم بها ، وأدخل على أهلك ، قال أبو طالب :
أشهدوا عليها بقبولها محمداً وضمانها المهر في مالها.
فقال بعض قريش : يا عجباه المهر على النساء للرجال؟
فغضب أبو طالب غضباً شديداً وقام على قدميه وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه ، فقال:
إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر، واذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا الا بالمهر الغالي، ونحر أبو طالب ناقة ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله بأهله ، فقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم :
هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوجت خير البرية كلها ومن ذا الذي في الناس مثل محمّد ؟
وبشر به البران عيسى بن مريم وموسى بن عمران فيا قرب موعد
أقرّت بــه الكتاب قدماً بأنّـه رسول من البطحاء هادٍ ومهتد