غَضب عبد الملك بن مروان، على عبَّاد بن أسلم البكري يوماً. فكتب إلى واليه على العراق الحَجَّاج بن يوسف الثقفي أنْ يقتله، ويبعث برأسه إلى الشام.
فأرسل الحَجَّاج إلى عبَّاد، يطلب حضوره، لتنفيذ ما أمر عبد الملك بشأنه.
تألَّم عبَّاد مِن معرفة الخبر، واضطرب كثيراً.
وأقسم على الحَجَّاج أنْ يتخلَّى عن قتله؛ لأنَّه يُعيل أربعاً وعشرين امرأة وطفلاً، وبقتله سوف تَختلُّ شؤونهم وتضطرب حياتهم.
فرقَّ الحَجَّاج لكلامه، وأمر بإحضار عائلته إلى دار الإمارة، وعندما حضر أولئك إلى دار الإمارة، واطَّلعوا على ما عزم عليه الحَجَّاج، وشاهدوا الحالة المُزْرية، التي كان عليها وليُّهم بدأوا بالبكاء والعويل.
وفجأة قامت طفلة صغيرة مِن بينهم، كانت في غاية الجَمال، وأرادت أنْ تتكلَّم، فقال لها الحَجَّاج: ما هي صِلتك بعبَّاد.
قالت: أنا ابنته.
ثمَّ قالت له بكلِّ جُرأة، يا أمير اسمع ما أقول وأنشأت تقول:
أحَـجَّاجُ إمَّا أنْ تَمنُّ بتركه *** عـلنيا وإمَّـا أنْ تُقتِّلنا معاً
أحَجَّاجُ لا تفجع به إنَّ قتلته *** ثماناً وعشراً واثنتين وأربعاً
أحَجَّاجُ لا تترك عليه بناته *** وخالاته يندُبنه الدهر أجمعاً
هذه الكلمات الصريحة والقويَّة، مِن هذه الطفلة الجريئة، أبكت حَجَّاجاً القاسي، وجعلته ينصرف عن قتل عبَّاد، ويُكاتب عبد الملك بشأنه، حتَّى حصل له على عفو الخليفة عنه.