اليهود

هاد الرجل: أي رجع وتاب؛ وإنما لزمهم هذا الاسم؛ لقول موسى عليه السلام: – {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك} – أي رجعنا وتضرعنا.
وهم أمة موسى عليه السلام، وكتابهم التوراة، وهو أول كتاب نزل من السماء؛ أعني أن ما كان ينزل على إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم السلام ما كان يسمى كتاباً، بل صحفاً.

وكان موسى عليه السلام قد أفضى بأسرار التوراة والألواح إلى يوشع بن نون وصيه وفتاه والقائم بالأمر من بعده ليفضي بها إلى أولاد هارون، لأن الأمر كان مشتركاً بينه وبين أخيه هارون عليهما السلام؛ إذ قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام في دعائه حين أوحى إليه {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}، وكان هو الوصي.
فلما مات هارون في حال حياة موسى: انتقلت الوصية إلى يوشع بن نون وديعة؛ ليوصلها إلى شبير وشبر ابني هارون قراراً. وذلك أن الوصية والإمامة بعضها مستقر، وبعضها مستودع.

واليهود تدعي أن الشريعة لا تكون إلا واحدة، وهي ابتدأت بموسى عليه السلام وتمت به؛ فلم تكن قبله شريعة، إلا حدود عقلية، وأحكام مصلحية.

وأختلف اليهود على إحدى وسبعين فرقة. ونحن نذكر منها أشهرها وأظهرها عندهم، ونترك الباقي هملاً. والله الموفق.

العنانية:

نسبوا إلى رجل يقال له عنان بن داود، رأس الجالوت. يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد، وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد، ويذبحون الحيوان على القفا، ويصدقون عيسى عليه السلام في مواعظه وإشاراته. ويقولون إنه لم يخالف التوراة ألبتة، بل قررها، ودعا الناس إليها، وهو من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة ومن المستجيبين لموسى عليه السلام؛ إلا أنهم لا يقولون بنبوته ورسالته.

العيسوية:

نسبوا إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني. وقيل: إن اسمه عوفيد ألوهيم، أي عابد الله. كان في زمن المنصور، وابتدأ دعوته في زمن آخر ملوك بني أمية: مروان بن محمد الحمار، فاتبعه بشر كثير من اليهود، وادعوا له آيات ومعجزات.

المقاربة واليوذعانية:

نسبوا إلى يوذعان من همدان. وقيل: كان اسمه يهوذا. كان يحث على الزهد، وتكثير الصلاة، وينهى عن اللحوم والأنبذة، وفيما نقل عنه تعظيم أمر الداعي. وكان يزعم أن للتوراة ظاهراً وباطناً، وتنزيلاً، وتأويلاً. وخالف بتأويلاته عامة اليهود.

السامرة:

هؤلاء قوم يسكنون جبال بيت المقدس، وقرايا من أعمال مصر، ويتقشفون في الطهارة أكثر من تقشف سائر اليهود، أثبتوا نبوة موسى، وهارون، ويوشع بن نون عليهم السلام، وأنكروا نبوة من بعدهم من الأنبياء إلا نبيا واحدا، وقالوا: التوراة ما بشرت إلا بنبي واحد يأتي من بعد موسى، يصدق ما بين يديه من التوراة، ويحكم بحكمها، ولا يخالفها ألبتة.

وظهر في السامرة رجل يقال له الألفان، ادعى النبوة وزعم أنه هو الذي بشر به موسى عليه السلام، وأنه هو الكوكب الدري الذي ورد في التوراة أنه يضيء ضوء القمر، وكان ظهوره قبل المسيح عليه السلام بقريب من مائة سنة.

وافترقت السامرة إلى دوستانيه وهم الألفانية، وإلى كوستانية. والدوستانية معناها الفرقة المتفرقة الكاذبة. والكوستانية معناها الجماعة الصادقة. وهم يقرون بالآخرة،

الملل والنحل – أبو الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني

Comments are closed.