النصارى أمة المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته عليه السلام. وهو المبعوث حقا بعد موسى عليه السلام، المبشر به في التوراة. وكانت له آيات ظاهرة، وبينات زاهرة، ودلائل باهرة، مثل إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص، ونفس وجوده وفطرته آية كاملة على صدقه. وذلك حصوله من غير نطفة سابقا، ونطقه البين من غير تعليم سالف. وجميع الأنبياء بلاغ وحيهم أربعون سنة وقد أوحى الله تعالى إليه إنطاقا في المهد، وأوحى إليه إبلاغا عند الثلاثين. وكانت مدة دعوته ثلاث سنين، وثلاثة أشهر، وثلاثة أيام.
الملكانية:
أصحاب ملكا الذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها. ومعظم الروم ملكانية. قالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، وتدرعت بناسوته. ويعنون بالكلمة: أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس أقنوم الحياة، ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنا، بل المسيح مع ما تدرع به ابن، فقال بعضهم إن الكلمة مازجت جسد المسيح، كما يمازج الخمر أو الماء اللبن.
وصرحت الملكانية بأن الجوهر غير الأقانيم، وذلك كالموصوف والصفة وعن هذا صرحوا بإثبات التثليث وأخبر عنهم القرآن {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}.
وقالت الملكانية: إن المسيح ناسوت (كلمة سريانية الأصل ومعناها: طبيعة الإنسان) كلي، لا جزئي، وهو قديم أزلي، من قديم أزلي، وقد ولدت مريم عليها السلام إلها أزليا، والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت (كلمة سريانية بمعنى الألوهية) معا.
وأطلقوا لفظ الأبوة والبنوة على الله عز وجل وعلى المسيح لما وجدوا في الإنجيل حيث قال: إنك أنت الابن الوحيد، وحيث قال له شمعون الصفا إنك ابن الله حقا.
ولعل ذلك من مجاز اللغة، كما يقال لطلاب الدنيا: أبناء الدنيا، ولطلاب الآخرة: أبناء الآخرة.
وقد قال المسيح عليه السلام للحواريين “أنا أقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا على لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل من يؤذيكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء، الذي تشرق شمسه على الصالحين والفجرة، وينزل قطره على الأبرار والأئمة، وتكونا تامين كما أن أباكم الذي في السماء تام”. وقال “انظروا صدقاتكم فلا تعطوها قدام الناس لتراءوهم فلا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء”. وقال حين كان يصلب “أذهب إلى أبي وأبيكم”.
النسطورية:
أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه. قال: إن الله تعالى واحد، ذو أقانيم ثلاثة: الوجود، والعلم، والحياة. وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات، ولا هي هو. واتحدت الكلمة بجسد عيسى عليه السلام، لا على طريق الامتزاج كما قالت الملكانية، ولا على طريق الظهور به كما قالت اليعقوبية، ولكن كإشراق الشمس في كوة على بلورة. وكظهور النقش في الشمع إذا طبع بالخاتم.
اليعقوبية:
أصحاب يعقوب: قالوا بالأقانيم الثلاثة كما ذكرنا، إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما، فصار الإله هو المسيح. وهو الظاهر بجسده، بل هو هو.
وعنهم أخبرنا القرآن الكريم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}
الملل والنحل – أبو الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني