بويع له بالخلافة بعد المأمون، فسلك ما كان المأمون عليه في إخماد الثورات الداخليّة، وتحول من بغداد وبنى [سر من رأى] وهي مدينة سامراء حاليا لتكون عاصمة دولته.
واعتنى باقتناء الترك فبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم وبذل فيهم الأموال وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب.
وفي سنة ثلاث وعشرين غزا المعتصم الروم فكأنهم نكاية عظيمة لم يسمع بمثلها لخليفة و شتت جموعهم و خرب ديارهم و فتح عمورية بالسيف و قتل منها ثلاثين ألفا و سبى مثلهم و كان لما تجهز لغزوها حكم المنجون أن ذلك طالع نحس و أنه يكسر فكان من نصره و ظفره ما لم يخف فقال في ذلك أبو تمام قصيدته المشهورة.
السيف أصدق أنبـاءً مـن الكتـب في حدّه الحد بيـن الجـد واللعـبِ
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهـن جـلاء الشـك والريـبِ
والعلم في شهـب الأرمـاح لامعـةً بين الخميسين لا في السبعة الشهـبِ
أين الرواية؟ أم أين النجـوم؟ وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذبِ
من شعر المعتصم:
قرب النحام وأعجل يا غلام واطرح السرج عليه واللجام
أعلم الأتراك أني خائض لجة الموت فمن شاء أقام
وكان يقال له: المثمن لأنه ثامن الخلفاء من بني العباس والثامن من ولد العباس وتكرر رقم ثمانية في حياته كثيراً.
وهجاه دعبل الخزاعي بهذه الأبيات
ملوك بني العباس في الكتب سبعة ولم يأتينا في ثامن منهم الكتبُ
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة غداة ثووا فيها و ثامنهم كلبُ
و إني لأزهى كلبهم عنك رغبة لأنك ذو ذنب وليس له ذنبُ
لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم و صيف و أشناس و قد عظم الخطبُ
وهمك تركي عليه مهانة فأنت له أم و أنت له أبُ
و إني لأرجو أن ترى من مغيبها مطالع شمس قد يغص الشربُ
مات المعتصم يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة 227 هجرية.