أثبتوا أصلين كما ذكرنا، إلا أن المجوس الأصلية زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي، والظلمة محدثة.
ثم لهم اختلاف في سبب حدوثها: أمن النور حدثت؟ والنور لا يحدث شرا جزئيا، فكيف يحدث أصل الشر؟ أم من شيء آخر؟ ولا شيء يشرك النور في الإحداث والقدم؟ وبهذا يظهر خبط المجوس.
وهؤلاء يقولون: المبدأ الأول من الأشخاص: كيومرث، وربما يقولون زروان الكبير، والنبي الثاني: زردشت.
الكيومرثية:
أصحاب المقدم الأول كيومرث. أثبتوا أصلين: يزدان، وأهرمن، وقالوا: يزدان أزلي قديم، وأهرمن محدث مخلوق، وقالوا: إن سبب خلق أهرمن أن يزدان فكر في نفسه: أنه لو كان لي منازع كيف يكون؟
وهذه الفكرة كانت رديئة غير مناسبة لطبيعة النور، فحدث الظلام من هذه الفكرة، وسمى: أهرمن، وكان مطبوعا على الشر، والفتنة، والفساد، والفسق، والضرر، والإضرار، فخرج على النور، وخالفه طبيعة وفعلا، وجرت محاربة بين عسكر النور وعسكر الظلمة.
الزروانية:
قالوا: إن النور أبدع أشخاصا من نور، كلها روحانية، نورانية، ربانية، ولكن الشخص الأعظم اسمه زروان شك في شيء من الأشياء، فحدث أهرمن الشيطان، يعني إبليس من ذلك الشك.
وقال بعضهم لا، بل إن زروان الكبير قام فزمزم تسعة آلاف وتسعمائة وتسعا وتسعين سنة، ليكون له ابن فلم يكن.
ثم حدث نفسه وفكر، وقال: لعل هذا العلم ليس بشيء فحدث أهرمن من ذلك الهم الواحد، وحدث هرمز من ذلك العلم، فكانا جميعا في بطن واحد. وكان هرمز أقرب من باب الخروج، فاحتال أهرمن الشيطان حتى شق بطن أمه فخرج قبله وأخذ الدنيا.
وقيل: إنه لما مثل بين يدي زروان فأبصره ورأى ما فيه، من الخبث، والشرارة، والفساد: أبغضه، ولعنه، وطرده، فمضى واستولى على الدنيا. وأما هرمز فبقي زمانا لا يدله.
الزرداشتية:
أولئك هم أصحاب زرددشت بن بورشب، الذي ظهر في زمان كشتاسب بن لهراست الملك، وأبوه كان من أذربيجان، وأمه من الري واسمها: دغدوية.
زعموا أن لهم أنبياء وملوكا: أو لهم كيومرث. وكان أول من ملك الأرض، وكان مقامه بإصطخر. وبعده أو شهنك بن فراوك، ونزل أرض الهند، وكانت له دعوة ثمة. وبعده طمهورث، وظهرت الصابئة في أول سنة من ملكه. وبعده أخوه جم الملك. ثم بعده أنبياء وملوك، منهم منوجهر، ونزل بابل وأقام بها. وزعموا أن موسى عليه السلام ظهر في زمانه، حتى انتهى الملك إلى كشتاسب بن لهراسب، وظهر في زمانه زردشت الحكيم.
الملل والنحل – أبو الفتح محمد بن عبدالكريم الشهرستاني