الغزل في الجواري الغلاميات

الغزل في الجواري الغلاميات:

أما الآن فنعرض لنوع جديد من الغزل في هذا القرن استجد بسبب الجواري الغلاميات اللائي وجدن في هذه الفترة.
وكان السبب المباشر في وجودهن، كما يذكر المؤرخون، الخليفة الأمين نفسه، لأننا لا نكاد نقع على أخبار وروايات تتعلق بالغلاميات قبل خلافته.
ويقال إن أمه زبيدة لما رأت ولعه الشديد بالغلمان من خدمه ورَفْعه لمنازلهم وإيثارهم.
اتخذت له الجواري أعدتهن إعداداً يشبه الغلمان إلى حد كبير من الشكل والخلقة:
” فاتخذت منهن المقدودات الحسان الوجوه، وعمّمت رؤوسهن وجعلت لهن الطُرر والأصداغ والأقفية، وألبستهن الأقبية والقراط والمناطق، فبانت قدودهن، وبرزت أردافهن، وبعثت بهن إليه فاختلفن في يديه، فاستحسنهن واجتذبن قلبه إليهن وأبرزهن للناس من الخاصة والعامة، واتخذ الناس من الخاصة والعامة الجواري المطمومات وألبسوهن الأقبية والمناطق وسموهن الغلاميات” ثم أخذ هذا الزي في الشيوع.

ومن أحسن الصور التي رسمها الشعراء للغلامية أبيات لأبي نواس.
يتحدث فيها عن شكل الغلامية ولباسها، ويصفها وصفاً دقيقاً مماثلا لما نقلته الكتب عما فعلته أم الأمين بهذا الصنف من الجواري إشباعاً لرغبة ابنها.

فقال أبو نواس في جارية غلامية من جواري القصر.

لقـد صُـبّحَتْ بالخيرِعيْنٌ تَصَبّحَتْ بوجْهِكِ يا معْشوقُ في كـلّ شارِقِ

مُقَرْطَقَة، ما شأنـها سَحْــبُ ذَيْلها، ولا نازعَتها الرّيحُ فضْـلَ البنــائِقِ

تُشارِكُ في الصّنعِ النساءَ، وسُلّمَتْ لَهُنّ صُنوفُ الحلْي غير المناطقِ

ومطمومَة لـم تَتّصِلْ بِذؤابَــة ولـم تَعْتَـقِـــدْ بـالتّـــاجِ فــوق المفــارِقِ

كـأنّ مخَـطّ الصُّـدْغِ، فــي صحن خــدّها بقيّة ُ أنْقـاسٍ بإصْبَعِ لائِـــقِ

غــدَتْهُ بمــاءِ المِســكِ حتى جــرَى لَها إلى مُسْتَقَرٍّ بينَ أُذْنٍ وعـــاتِقِ

غــلامٌ وإلاّ فالــغُلامُ شَبيهُهَا وَرَيْـحَـــانُ دنْيـــا ، لـــذّة ٌ لـلمُـعَــــانِـقِ

خــلابةُ زنديــقٍ ولحظة قينــةٍ بكــل الذي تهــوى، ومنيــة عاشــــقِ

فالذي يلاحظ على هذه الغلامية القصرية – كما يبدو من الأبيات – أنها جميلة، قصيرة الثياب مقرطة.
تشارك النساء في الانتماء إلى جنسهن ولكنها تركت لهن أصناف الحلي ما عدا ما تنتطق به لتكشف عن دقة خصرها للدلالة على رشاقتها.
أما شَعْرها فقصير، وأما وجهها فلا تزينه تزيينا كاملاً بأنواع الأصباغ كغيرها من النساء.
كل هذه الأشياء أهّلتها لتشبه الغلام، بل ليشبهها الغلام، وهي مع ذلك كله تمتاز بالخلابة والسحر وكل ما يميل إليها النفوس ويجذبها.

وهكذا فقد سبق القرن الثاني القرن العشرين في هذا الصنف من النساء الذي نجد له نماذج كثيرة في أيامنا، ومن يدري، فلعل التاريخ يعيد كما يقولون!! 

شرح الكلمات:

المقرطقة: لابسة القرطق وهو القباء. وفي فقه اللغة للثعالبي: نوع من اللبس يتدثر به من ثياب النوم.

البنائق: مفردها بنقة وبنيقة رقعة تكون في الثوب، أو طوق الثوب الذي يضم النحر، أو لبنة القميص أو جربانه.

طم الشعر: جزَه وقصه، التاج: الإكليل،  أنقاس: جمع نقس وهو المداد الذي يكتب به، اللأئق: الذي يدهن النفس، العاتق: أعلى الكتف

إتجاهات الغزل في القرن الثاني الهجري – الدكتور يوسف حسين بكار

Comments are closed.