العناد واللجاجة والمكابرة

أعرف رجلاً خبيثاً في زمن الطاغوت وكان من اعوان الظلمة، وكثيراً ما كان يظلم الناس ويؤذيهم وينسب الى الابرياء ما ليس فيهم ولا من شأنهم.

ظلمني مرّة وآذاني فسألته وقد وجدته هادئاً بعض الشيء: هل صادف واحترق قلبك من أجل مظلوم؟

قال : في البداية كنت أتألم لحال بعض المظلومين، فمثلاً جاؤوا بامرأة حكم عليها بالسجن وكانت لها ابنتان احداهما في الثانية عشرة والأخرى ما تزال رضيعة.

ذات يوم جاؤوا بالرضيعة وطلبوا زيارة السجينة؛ ولأن اللقاء كان من خلف الحاجز الزجاجي وما إن وقعت عينا البنت على أمها حتى اضحى حالها كحال سمكة رميت خارج الماء، فهي تطلب ثدي أمها وتصرخ حتى ترضعها.

الأم أخرجت ثديها والصقته بالزجاج والطفلة المسكينة وضعت فمها على الجانب الآخر من الزجاج، فاحترق قلبي على البنت وسمحت بلقاء البنت مع أمها في مكتبي حتى يمكن للأم ارضاع ابنتها .

وفي هذه الأثناء دخل رئيسي علينا وسأل عن حال المرأة وعندما أخبرته صرخ في وجهي قائلاً علينا أن نطلق كل يوم سجينا من أجل :

قلبك !

رأيت أن الحق معه فقررت من تلك اللحظة الا اكترث لمثل هذه الأمور وتحقق ما أردت، فلو قطعوا أمامي العشرات إرباً ارباً ما تأثر أبدا.

قلت : فهل هذه الصفة التي عندك حسنة ام سيئة؟

قال: انها تنسجم مع طبيعة عملي؟

قلت: اذا كنت تعمل عملاً غير هذا فما ترى في هذه الصفة؟

قال : اعتبرها صفة غير طيبة لأن الناس تستضعف ذوي القلوب الرحيمة.

قلت : فهل هذه الصفة في الحيوانات أكثر أم في الناس؟

قال : في الحيوانات.

قلت : فهل على الانسان أن يكون حيواناً في صفاته؟

وهنا سكت ثم استدرك قائلاً : لا أدري ولكن فيما يخصني فلولا هذه الصفة في الآن لفقدت عملي.

قلت : فارق عملك اذن.

قال : وكيف لي أن أعيش اذن؟

قلت : الرزق على الله .

قال : لو كنت مؤمناً بالله ما أصبح حالي كما ترى.

وانتهى الحديث، ولم يعترف أبداً بأن الظلم صفة سيئة وانه لا ينبغي أن يظلم الناس. لقد كان عنيداً جداً مكابراً.

وأدركت وقتها ان العناد واللجاجة ،والمكابرة من الحجب الكثيفة التي تحجب قلب الانسان عن الله.

منقول

Comments are closed.