التركيب العرقي للدولة العباسية

امتازت الدولة العباسية بتعدد الأعراق والأجناس الموجودة فيها، وكان لذلك الأثر الكبير في الحياة الاجتماعية للناس، فلم تعد الحياة بسيطة كما كانت عليه من قبل؛ فقد جاء كل قوم بثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ولم تكن النظرة للخلافة وللدين عند كل هؤلاء واحدة، وهذا ما ذهب إليه أحمد أمين حين قال:
إن الأمم، وإن اتخذت دينا فكل أمة يختلف نظرها في تفاصيل دينها عن الأمم الأخرى، وهي تنظر إلى الدين من خلال تاريخها، ونظمها الاجتماعية، من خلال أديانها المتعاقبة، ومن خلال لغاتها وتقاليدها، ومن خلال ثقافتها وتربيتها.

ومن المعروف أن الشعب في الخلافة العباسية كان يضم أعراق من بقاع شتى، ومنهم من كانت له ثقافة وحضارة سابقتين، ومنهم من لم تكن له هذه ولا تلك، منهم من كان يدين بدين، ومنهم من كان مشركا أو وثنية.
ويشير الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي إلى التركيبة البشرية في العصر العباسي، فيجدها غاية في التنوع، ومن العناصر التي ذكرها.

أولا: العنصر الفارسي:

ويذكر أنهم كانوا عماد النظام السياسي والإداري في الدولة حتى أقصاهم الأتراك، وكانوا دعاة الترف في الدولة.

ثانيا: العنصر التركي:

وكان لهم النفوذ السياسي في الدولة، وقضوا على سلطان الفرس والعرب على حد سواء، وكثرت الجواري الأتراك في قصور الخلفاء.
ويذكر السيوطي أن المعتصم هو أول من استعان بالترك، وأدخلهم معترك الحياة السياسية والعسكرية.
فيقول: إن المعتصم اعتني باقتناء الترك، فبعث إلى سمرقند وفرغانة والنواحي في شرائهم، وبذل فيهم الأموال، وألبسهم أنواع الديباج ومناطق الذهب، فكانوا يطردون خيلهم في بغداد، ويؤذون الناس، وضاقت بهم البلد.
فاجتمع إليه أهل بغداد، وقالوا: إن لم تخرج عنا بجندك حاربناك.

ثالثا: العنصر الرومي:

وهذا العنصر وفد إلى الدولة من خلال الحروب، أي أنهم دخلوا أسرى أرقاء، حتى كان بعض الخلفاء من أمهات روميات، ومن هذا العنصر على سبيل المثال الشاعر ابن الرومي.

رابعا: العنصر الزنجي:

وكانوا يجلبون من شرق إفريقيا، وكانوا يعملون في الزراعة والصناعة، وفي بيوت الطبقة المتوسطة، ومن مظاهر خطرهم على سبيل المثال ثورة الزنج التي ذكرت في الصفحات السابقة.

وقد كان التنوع العرقي من عوامل ازدهار الحياة العقلية والأدبية.
فيرى أحمد أمين أن هناك فرقة بين الخمريات عند طرفة وعند أبي نواس، وفرق أخر بين الشوق عند امرئ القيس، وعند عباس بن الأحنف، ولا يعزو هذا الفرق إلى الحضارة وحدها، بل إلى تزاوج الأعراق.
فيقول: لم تكن الحضارة وحدها، هي التي أنتجت هذا الفرق. ولكن كان أكبر العوامل فيه:
تزاوج الأجناس وتزاوج الأفكار، كالذي كان في الشعر. فقد أخذ الفرس الوزن العربي، والقافية العربية، والأسلوب العربي، ولكن أخذوا إلى جانبه الخيال الفارسي، والذوق الفارسي.

وقد كان تنوع الأجناس وبالا على الحالة السياسية، والتنازع العرقي في الدولة.
إذ كان العرب قبل، قبائل متفرقة، وإذا افتخر أحدهم افتخر بقبيلته، لا بعروبته.
ولما صارت لهم دولة وانتصرت على الفرس والروم، صارت للعرب مكانة عالية، وكانوا يحتقرون الموالي، ويذكر أمين:
أن العرب احتقروا طائفة المولدين، وسموا ابن العربي من الأمة “الهجين “.
وجاء في لسان العرب: الهجنة من الكلام ما يعيبك. الهجين: العربي ابن الأمة لأنه معيب.
وقد ظهرت نزعة الشعوبية الداعية إلى الحط من شأن العرب، كما نجده عند بشار بن برد، إذ تروى له أبيات يهجو فيها العرب، ويقول:

أعاذل لا أنام على اقتسار ولا ألقى على مولى وجارِ

سأخبر فاخر الأعراب عني وعنه حين بارز للفخارِ 

أنا ابن الأكرمين أبأ وأما تنازعني المرازب من طُخارِ

وفي هذه الأبيات يفخر الشاعر بنفسه وبنسبه في الفرس، ويتحدى الإنسان العربي الذي يفاخره، وينعي على الزمن الذي جاء بالعرب حتى صارت لهم دولة، فيقول:

إذ انقلب الزمان علا بعبدٍ وسفل بالبطاريق الكبارِ

ملكناكم فغطينا عليكم ولم نُنصبكم غرضا لدارِ 

ثم يمضي الشاعر في هجاء العرب، فيقول:

أحين لبست بعد العري خزاً ونادمت الكرام على العقارِ

 تفاخر يا ابن راعية وراعِ بني الأحرار حسبك من خسارِ

من رسالة ماجستير بعنوان ﺼﻭﺭﺓ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺭ ﺍﻟﻌﺒﺎﺴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺭﻨﻴﻥ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﻭﺍﻟﺜﺎﻟﺙ ﺍﻟﻬﺠﺭﻴﻴﻥ.
إعداد: ﺴﺎﻫﺭﺓ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺤﻔﻴﻅ ﻤﺤﻤﺩ ﺤﻤﺩﺍﻥ.
إشراف: ﺩ .ﻋﻴﺴﻰ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺨﺎﻟﻕ.

Comments are closed.