حكى عن المنصور الدوانقى أنه أراد قتل عمه عبدالله و كان لا يمكنه ظاهرا فحبسه عنده.
ثم بلغه عن ابن عمه عيسى و كان واليا بالكوفة ما أفسد عقيدته فيه فتألم بذلك فطال فكره و كتمه عن جميع حاشيته.
فاستحضر عيسى و أكرمه غاية الإكرام فأخلى به يوما.
و قال له: يا ابن عم أنت منى و موضع سرى و إنى مطلعك على أمر فهل أنت فى موضع ظنى بك؟
فقال عيسى: أنا عبدك و نفسى طوع أمرك و نهيك.
فقال: إن عمى و عمك عبدالله فسد بطانته و فى قتله صلاح ملكنا فخذه إليك و اقتله سرا، ثم سلمه إليه.
وعزم المنصور على الحج مضمرا أن عيسى إذا قتل عبدالله ألزمه القصاص و يسلمه إلى إخوة عبدالله ليقتلوه فيستريح منهما.
قال عيسى: فلما أخذت عمى فكرت فى قتله و رأيت أن اشاور يونس بن فروة و كان حسن الرأى فقلت له صورة القصة.
فقال: احفظ نفسك بحفظ عمك و عم الأمير فإنى أرى أن تدخله مكانا فى بيتك و تكتم أمره من كل أحد.
و تتولى بنفسك طعامه و شرابه و تجعل دونه مغالق و أبوابا.
و تظهر للمنصور أنك قتلته فكأنى به إذا تحقق له أنك قتلته أمرك بإحضاره على رؤس الأشهاد فإن اعترفت بقتله أنكر أمره لك و أخذك بقتله.
فقبلت مشورته و عملت بها و اظهرت للمنصور أنى قتلته.
ثم حج المنصور فلما قدم من حجة و استقر فى نفسه أنى قتلت عمه.
و أسر إلى أعمامه إخوة عبدالله و حثهم على أن يسألوه عن عبدالله، فلما علموا بذلك جاءوا بعيسى الى المنصور بمحضر من الناس فسألوه عن عبدالله.
فقال المنصور: يا عيسى دفعت إليك عبدالله ليكون فى منزلك حتى أرجع من الحج فأتنا به الساعة.
فقال عيسى: أمرتنى بقتله فقتلته.
قال: كذبت ما أردت ذلك ثم أظهر الغضب.
فقال لعمومته: قد أقر عيسى بقتل أخيكم مدعيا أنى أمرته بقتله و كذب.
فقالوا: ادفعه إلينا لنقتله فقال: شأنكم.
قال عيسى: فأخذونى إلى الرحبة و اجتمع الناس على، فقام واحد من عمومتى وسل سيفه ليضربنى.
فقلت: يا عم لا تعجل وردنى إلى الأمير فردوه إليه.
فقلت: أيها الأمير إنما أردت قتلى بقتله و قد عصمنى الله منك و هذا عمك باق.
و إن أمرتنى بدفعه إليهم دفعته فأطرق المنصور و علم أن ريح فكره صادفت إعصارا ثم رفع رأسه.
و قال: ائتنا به فمضى عيسى و أحضر عبدالله فلما رآه المنصور.
قال لعمومته: اتركوه عندى و انصرفوا حتى أرى فيه رايا و سلم عيسى ببركة الاستشارة.
منقول