في ذات يوم اجتمع الشعراء الثلاثة أبو نواس ودعبل وأبو العتاهية في مجلس من مجالس الطرب فأقاموا فيه ثلاثة أيام.
فلما كان اليوم الرابع انصرفوا يريدون منازلهم فقال أبو العتاهية عند من نكون اليوم ؟
فقال أبو نواس: في كل منا فضيلة، فهيا نمتحن قرائحنا في الشعر فمن فاق أخوته كنا عنده.
وبينما هم يتحدثون أقبلت فتاة حسناء وكانت ترتدي ثلاثة أثواب من الحرير كل واحد أقصر من الأخر فالأعلى (الأول) أبيض،(الأوسط) أسود (الأسفل) أحمر.
فقال أبو النواس: الحمد لله الذي فتح لنا بهذا فليقل كل منا شعرا في ثوبها.
فقال أبو العتاهية في الثوب الأبيض
تبدي في ثياب من بياض * * * بأجفان وألحاظ مراضِ
فقلتُ له: عبرت ولم تسلم * * * وإني منك بالتسليم راضِ
تبارك من كسا خديك ورداً * * * وقدك ميل أغصان الرياضِ
فقال نعم كساني الله حسنا * * * ويخلق ما يشاء بلا اعتراضِ
فثوبي مثل ثغري مثل نحري * * * بياضٌ في بياضٍ في بياضِ
وقال دعبل في الثوب الأسود
تبدي في السواد فقلت بدراً * * * تجلى في الظلام على العبادِ
فقلتُ له: عبرت ولم تسلم * * * وأشمت الحسود مع الأعادي
تبارك من كسا خديك ورداً * * * مدى الأيام دام بلا نفاذِ
فقال: نعم كساني الله حُسناً * * * ويخلق ما يشاء بلا عنادِ
فثوبك مثل شعرك مثل حظي* * * سوادٌ في سوادٍ في سواد
وقال أبو نواس في الثوب الأحمر شعرا
تبدى في قميص الورد يسعى * * * عذولي لا يلقب بالحبيب
فقلت من التعجب كيف هذا * * * لقد أقبلت في زيٍ عجيب
أحمرة وجنتيك كستك هذا * * * أم أنت صبغته بدم القلوب
فقال: الشمس أهدت لي قميصا * * * قريب اللون من شفق الغروب
فثوبي والمدام ولون خدي * * * قريبٌ من قريبٍ من قريب
لما فرغوا من إنشادهم والجارية تصغي إليهم اقتربت منهم وقالت السلام عليكم.
فردوا عليها السلام بحفاوة وإجلال.
فقالت لهم لا بد من وقوفي على أمركم واطلاعي على أحوالكم لأعرف من أنتم وكيف انتهى بكم الحال إلى آخر ما سمعت من إنشادكم.
فاخبروها القصة فقالت لقد أجاد صاحبكم وأشارت على أبي نواس. وسارت لشأنها بعد أن تركتهم في حيرة من أمرهم.