إبراهيم بن المهدي هو أخ هارون الرشيد ذهب إلى منطقة أو بلدة تسمي الري بعد وفاة هارون الرشيد واستلام المأمون الخلافة. وادعى الخلافة لنفسه وقام في الري سنتين.
وبعد أن فشل المأمون في التصالح مع عمه قرر الذهاب إلى الري وحاصرها ودخلها.
فخاف إبراهيم بن المهدي وخرج مسرعا من داره وهو لا يعلم اين يذهب.
وكان المأمون قد جعل لمن أتاه بإبراهيم مائة ألف درهم.
وفيما كان إبراهيم سائراً في الطريق رأى عبد أسود واقفاً على باب بيته فطلب منه الإقامة لمدة ساعة من الزمن.
ووافق الرجل ودخل إبراهيم المنزل ووجد حصير وبساط ووسادة نظيفة. وبعد ذلك أغلق الرجل الباب وذهب.
فخطر لإبراهيم أن الرجل سمع بالمكافأة وطمع بها. وبيمنا إبراهيم يفكر فيما سوف يعمل، عاد الرجل ومعه خبز ولحم وفاكهة.
وقال إبراهيم: كنت شديد الجوع وأكلت ألذ طعام في حياتي. وجاءني الرجل بشراب معطر وقدم لي الفاكهة.
بعد أن طلب الرجل الأذن بالجلوس بجانب إبراهيم، فتح الخزانة وأحضر عُوداً وقال:
لا أجسر أن أطلب منك الغناء يا مولاي ولكن هل تسمح لي أن أغني؟
فقال له إبراهيم من أين علمت أنى أحسن الغناء؟
فقال الرجل: سبحان الله! أنت أشهر من يخفى، أنت سيدي إبراهيم بن المهدي خليفتنا بالأمس والذي جعل المأمون لمن دله عليه مئة ألف درهم.
فقال إبراهيم عظم الرجل في عيني وتناولت العود فغنيت بعد ان تذكرت فراق الأهل والأولاد والوطن:
وَعَسَى الَّذِي أَهْدَى لِيُوسُفَ أَهْلَهُ وَأَعَزَّهُ فِي السِّجْنِ وَهْوَ أَسِيرُ
أَنْ يَسْتَجِيبَ لَنَا وَيَجْمَعَ شَمْلَنَا وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدِيرُ
فطرب الرجل وقال: أتأذن لي يا مولاي أن أغني ما خطر في بالي؟ فأخذ العود أنشد:
تُعَيِّرُنَا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ الْكِرَامَ قَلِيلُ
وكان عند إبراهيم كيس فيه دنانير فقدمه للرجل ولكن الرجل رفض المال وقال:
إن تشريفك منزلي أعظم من الغنى.
وبعد أيام خاف إبراهيم من التثقيل على الرجل وقرر الرحيل، فلبس زي النساء وودع الرجل وخرج.
وأثناء خروجه وصل عند الجسر، فعرفه جندي كان يخدمنه فصاح هذا حاجة المأمون.
ولكن إبراهيم أستطاع الهروب بعد أن دفع الجندي وأسقطه في حفرة. فأسرع في المشي وقطع الجسر وشاهد امرأة في أحد الدهاليز فقال لها أنقذيني فأنا رجل خائف.
وقالت له على الرحب والسعة واجلسته في غرفة مفروشة وقدمت له الطعام.
وبعد لحظات طرق الباب ودخل الطارق مجروح الراس والدم يسيل على ثيابه ويقول إني حصلت على الغني وأفلت مني، وأخبرها بما جرى له. أنه الجندي زوج المرأة.
بعد أن عصبت رأس زوجها فرشت له فنام ثم ذهبت إلى إبراهيم وقالت له أظن أنت صاحب القصة.
فقال: نعم.
فقالت: إني أخاف عليك من زوجي يراك فيبلغ عنك، فأرى أن تنجو بنفسك.
فلما جاء الليل لبس إبراهيم ملابس النساء وخرج من عندها وذهب إلى جارية من جواريه فلما رأته بكت وحمدت الله على سلامته. وبعد ذلك أوهمته أنها ذاهبة إلى السوق.
ولم يمض قليل حتى أقبل الجنود والجارية معهم فحملوه إلى المأمون.
فلما وقف بين يدي المأمون سلم علية بالخلافة وأنشد:
ذَنْبِي إِلَيْكَ عَظْيمٌ وَأَنْتَ أَعْظَمُ مِنْهُ
فَخُذْ بِحَقِّكَ أَوْ لَا فَاصْفَحْ بِحِلْمِكَ عَنْهُ
إِنْ لَمْ أَكُنْ عِنْدَ فِعْلِي بَيْنَ الْكِرَامِ فَكُنْهُ
فَرَفَعَ الْمَأْمُونُ رَأْسَهُ، وَنَظَرَ إليه ولكن إبراهيم عاجله قائلاً:
أَتَيْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا وَأَنْتَ لِلْعَفْوِ أَهْلُ
فِإِنْ عَفَوْتَ فَمَنٌّ وَإِنْ قَتَلْتَ فَعَدْلُ
فرق له قلب المأمون فقال: لا باس عليك يا عماه قد عفوت عنك وأعدت إليك مالك وضياعك كلها.
فحدث إبراهيم عما جرى له مدة اختفائه مع العبد، والجندي وامرأته، والجارية.
فأمر المأمون بإحضارهم، فقال للجارية ما حملك على ما فعلت بسيدك؟
فقالت: الرغبة بالمال. فأمر بضربها مئة سوط.
فسال الجندي: ما حمله على ما فعل؟
فقال: الرغبة في المال. فأمر المأمون بطرده من الجندية. ثم أكرم زوجته وأمر بدخولها قصره. وقال هذه تصلح للمهمات.
ثم التفت إلى العبد وقال: لقد ظهر من مروءتك ما يوجب المبالغة في إكرامك. وسلم له دار الجندي بما فيها وخصص له ألف دينار كل سنة.